الحركة الوطنية اليمنية بين مرارة الواقع وإرادة التغيير !
قد يبدو للوهلة الأولى لكل متابع للشأن اليمني أن ما نشهده من مرارة الواقع اليمني وحركته وتراجعاته ، وحالة الجماهير ، وهي تتلمس واقعها المتردي سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ، تحت وطأة البطالة والفقر والهجرة والمعاناة اليومية .
أن هذا الواقع أصبح من لوازم الحركة وأعبائها ، وضرورات التصدي لها ، والتماس المخارج ، ومن المقدمات النضالية المفروضة والملزمة للحركة ، على الرغم مما نجد من ثمرة صراع مرير لم تعد معالجته من مستلزمات جهد مكافئ لما ينبغي بذله بعد جهود مضنية ومحاولات مريرة باتجاه مواجهة هذا الواقع وتبعاته ، وسعي دائب وحثيث للم الشمل ،وجمع الكلمة ، وأن تلمس الحلول بات يدخل في كثير من المتاهات والأنفاق لتزداد مرارة الواقع وقتامته.
ولكن هذه التوجسات – وعلى الرغم من نكد العنت والمعاناة فيها – تظل دون طموح الساعين المخلصين بدأب لتلمس أي انفراج ، وطرق أي باب مهما كان موصدا بإحكام ، لكون إرادة التغيير ، ومنحى التوجه بصرامة وإصرار إلى معالجة الواقع المرير ، ومحاولة السيطرة عليه ، ودراسة مختلف جوانبه ، والبحث عن مداخله ومخارجه ، وفتح مغاليقه ، مهما كانت المشقة دون ولوجه ، بل مجرد التوجه نحوه بحس رفيع ، وسلوك الخطوات الأولى في دربه الشاق والمعسر ، لكون المعالجة باتت ملحة ومصيرية ، تمس أشد الضرورات وأكثرها أهمية وإلحاحا في الوقت الذي تزداد تعقيدات التشرذم وأدواؤها ، وكوابيس الانقسام ، وبقاء الأطر التقليدية خارج دائرة "الإطار الأوسع" لتحتاج إلى تفعيل حقيقي يقود إلى مرجعية جامعة تؤازرها وتعضد قدرتها على الانفتاح والتغيير قوة وطنية مساندة ومشاركة في القرار الجماعي المنظم ، من المثقفين والكتاب والناشطين في المجتمع والحقوقيين ، من خلال ممارسة فعلية مدنية تحرك الراكد ، وتبعث الحياة في الهمود المتراكم ، وقد عبرت هذه القوة الكامنة الحقيقية عن نفسها في أكثر من مناسبة ، وفي الآونة الأخيرة ، في حديث متواصل عن الوحدات المتجانسة ، مدركة حجم الترهل القائم بتعقيداته ومقدماته وعوامله الدافعة إلى تلمس مواقع الأقدام ، والبحث عن مخرج مرض ، يرتقي بالعملية إلى مستوى الحدث المتحرك ، والباعث لمن يحلحل ركوده ، ويحمله من هجعته ليدفع به إلى رفض واقع الترنح والترهل ، وقد ألمحنا إلى ذلك قبلا ، ولا نزال نلح على ضرورة الضرورات ، وهي معالجة واقع التقارب حول الأهداف والطموحات المشتركة وأبعادها ، وما تفرزه من عوامل التقارب بين الوحدات والتجمعات المتشابهة والمنبثقة من رحم واحدة ، فهي الأولى- لو صدقت النوايا وتمحضت إرادة التغيير – أن تتلمس بخطوات عملية موثقة وصادقة ومدروسة بعناية ، لترتقي فوق التصفية والتهميش والمهاترة والتشويش ، وتضليل الحقائق ، وممارسة الوصولية التي قادت إلى الكثير من الأخطاء والوقائع المريرة والمردية واندفع الجميع إلى دفع فاتورة الأخطاء القاتلة ،مما أبرزت الجانب الذاتي ، وأفرغت المضمون من محتواه ، وقادت إلى الكثير من التعنت وركوب الرأس والوقوع في مطب الأنانية الحزبية والفئوية والمناطقيه والعنصرية والطائفية وآثارها المدمرة ، والتي قادت إلى كثير من التشتت ، والبعد عن المصداقية ، وفرز عقلية المناورة والالتواء ، وأساليب في التحوط والنظر بعين الخصومة ، واعتبار المكسب الحزبي فوق أي تصور ، يمكن – بمزيد من الوعي والمسؤولية والانضباط – أن يخفف من أسباب انعدام الثقة التي فشت وشاعت نتائجها ، والتي ينبغي أن تكون الحرص على إعادتها في مقدمة أي عمل مبرور وناجع باتجاه لم الشمل وجمع الكلمة ، كقوة ملهمة ودافعة لأية قدرة فاعلة تثمر عملا نحو رأب الصدع وصنع التغيير ، وهو ما ينبغي الإصرار عليه لتجاوز محنة الواقع ومرارته ، ولا يمكن تصور ذلك دون البحث عمن يمكنهم أن يتولوا هذه المهمة النبيلة ، ليبذلوا إلى ذلك السبيل في عمل متكامل جماعي ومنظم ومن خلال قوة وطنية محايدة ومؤثرة ، وقادرة على تحريك الساحة بصبر وأناة وروية ، ودراسة متقنة وواعية لأبعاد وحجم الواقع المترهل ومرارته ومقدمات تشرذم أطراف الحركة ، وما عانته هذه الأطراف القائمة من تجارب حملت الكثير من التأزم والمرارة والتشتت والكثير من آثار الانتهازية والأخطاء الفردية والجماعية ، مما يدعو إلى اليقظة والحذر والأناة في الطرح والصبر على الفجوة المحدثة والاتهامات والأخطاء المتبادلة ، ما يجعل المهمة عسيرة ، ولكنها ليست مستحيلة مع نقاء الإرادات وصدق التوجه والاستعداد الميداني لتجاوز تلك الأخطاء والعثرات والعقبات المترافقة ، وهو ما ألح عليه الكتاب والمثقفون والوطنيون الذين يجهدون في سبيل توحيد الحركة وأطرافها المتجانسة في كتاباتهم وتحركاتهم ومناقشات معقودة لهذا الغرض ، لجمع الأطراف التي تحمل برامج ومناهج متوافقه، والتي خرجتها مدرسة واحدة على اختلاف في الاجتهادات والآراء والتوجهات .
ومن أجل أن تكون خطواتنا جادة وموثقة وعملية ومثمرة ، كان لا بد من توجه محكم وإرادة خيرة وتصميم على المتابعة ، وحيادية من أي جماعة وطنية تجد في نفسها القدرة على التصدي لهذه المهمة النبيلة ، بما تحمل من مرارة وأسى وتعقيد لا يمكن أن يجد سبيلا إلى اليأس من مخرج وسط. هذه الحالة المرفوعة بقوة للمعالجة والمداواة ، لرفع سوية عمل نضالي يحمل تاريخا طويلا من المعاناة والتجربة، وخوض سبل التصدي لمسألة وطنية ومعاناة شعب ينبغي الالتفات إليه ، وحقه في حياة حرة ومواطنة حقة وسعيدة ، وتعايش متكافئ ورغيد ومزدهر ، مما يستلزم حركة موحدة الأطراف والأهداف والتوجهات والبرامج لتتمكن من النهوض ومعالجة الواقع المأساوي والمرير.