الواقعية السياسية في الفكر السياسي المكيافللي ..!!

11:19 2024/01/25

رغم النقد الكبير الذي تعرضت له الأفكار السياسية التي وضعها المفكر السياسي الإيطالي نيقولو مكيافللي في كتابه ( الأمير ) عام 1532م ، وخصوصاً من اصحاب التيار المثالي نظراً للواقعية السياسية ( النفعية والبراغماتية ) التي اتسمت بها أفكار مكيافللي ، وهو يقدمها للأمير كنصائح وارشادات تساعده في إدارة شئون الحكم ، إلا أن الباحث في الشأن السياسي سوف يلاحظ الحضور الكبير لتلك الأفكار في الحياة السياسية حول العالم بطريقة أو بأخرى ، وفي مقدمة تلك الافكار أن العلاقة بين الحكام والمحكومين علاقة تعارضية ، فالأمير عند مكيافللي هو الدولة ، والناس بشكل عام ( ناكرون للجميل متقلبون مراؤون ، ميالون إلى تجنب الأخطار ، وشديدو الطمع ، وهم إلى جانبك طالما أنك تفيدهم ، فيبذلون لك دماءهم وحياتهم وأطفالهم وكل ما يملكون ولكنهم عندما تدنوا يثورون ... ويقبل الناس بتغيير حكامهم بمحض الرغبة والإرادة ، آملين في تحسين أحوالهم ، وهذه العقيدة تدفع بهم إلى الثورة على حكامهم الذين خدعوهم ، لا سيما إذا أثبتت التجارب أنهم انتقلوا من حالة سيئة إلى حالة أسوأ منها ) ، وما تلك الثورات الشعبية المتكررة والمتجددة ضد الحكام حول العالم إلا محاكاة لأفكار مكيافللي ..!!

ويؤكد مكيافللي أن العلاقة بين أفراد الشعب والأمير علاقة مصلحية نفعية ، ( إن كل إنسان يغدق الوعود ويعرب عن استعداده للموت في سبيل الأمير ، عندما يكون الموت بعيدا ، أما عند الشدة ، وعندما تحتاج الدولة إلى مواطنيها فإن الأمير لن يجد إلا القليلين ) ، وهذه حقيقة سياسية مشاهدة على أرض الواقع فكم شاهدنا من حكام ورؤوساء والشعوب تهتف بأسمائهم وبحياتهم وبمجرد تعرضهم للشدائد تخلوا عنهم وتركوهم ما عدى بعض المخلصين ، كما أن من أهم أفكار مكيافللي هي دعوة الأمير إلى الإهتمام بالحرب ، ( إن الحرب هي الفن الوحيد الذي يحتاج إليه كل من يتولى القيادة ) ، وكأن الاهتمام الكبير بالتسليح والجيوش من القيادات السياسية حول العالم على حساب إفقار الشعوب وتجويعها ، ما هي إلا استجابة لفكرة مكيافللي ، ومن أفكار مكيافللي التشاؤمية والواقعية للحكام والأمراء قوله :- ( ولا ريب في أن الإنسان الذي يريد إمتهان الطيبة والخير في كل شيء ، يصاب بالحزن والأسى عندما يرى نفسه محاطاً بهذا العدد الكبير من الناس الذين لا خير فيهم ، ولذا فمن الضروري لكل أمير يرغب في الحفاظ على نفسه أن يتعلم كيف يبتعد عن الطيبة والخير ) ، وبنظرة سريعة حول سياسات وتعامل الحكام حول العالم وخصوصا في الدول النامية والمتخلفة ، سوف نجد بأن العنف والبطش والقسوة هي الوسائل المفضلة في تعاملهم مع شعوبهم ، وهنا تتجلى واقعية أفكار مكيافللي ..!!

ومن أفكار مكيافللي الواقعية ( لا ريب أن كل إنسان يدرك أن من الصفات المحمودة للأمير أن يكون صادقا في وعوده وأن يعيش في شرف ونبل لا في مكر ودهاء ، لكن تجارب عصرنا أثبتت أن الأمراء الذين قاموا بجلائل الاعمال ، لم يكونوا كثيري الاهتمام بعهودهم والوفاء بها ، وتمكنوا بالمكر والدهاء من الضحك على عقول الناس وإرباكها ، وتغلبوا أخيرا على أقرانهم الذين جعلوا الاخلاص والوفاء رائدهم ) ، من يتابع سياسات وتصرفات الكثير من قيادات الانظمة السياسية حول العالم ، سوف يلاحظ بأنها تتسم بالمكر والخداع والدهاء ، بل لقد أصبح المكر والخداع والدهاء هو الصفة السائدة في تفاعلات وتعاملات الكثير من الناس في حياتهم اليومية ، وهذه هي فقط مجرد نماذج بسيطة لأفكار مكيافللي التي تتميز بالواقعية السياسية وغيرها كثير ، والكثير منها حاضر في واقعنا السياسي كسلوك وممارسة وواقع ، حتى لو كان العديد منها يتعارض مع المثالية ، فمكيافللي وهو يضع أفكاره في كتابه الأمير حرص على نقل خبراته وتجاربه بصورة تتحدث عن الواقع السياسي البشري كما هو لا كما يتمنى ويحلم الإنسان أن يكون ، وإذا كان هناك نقد فيجب أن لا يتوجه إلى مكيافللي كمفكر وكاتب سلك المنهج الواقعي في الطرح والكتابة ، بل يتوجه إلى سلوكيات الناس السلبية والنفعية في تعاملاتهم وتصرفاتهم على أرض الواقع كحكام ومحكومين ..!!

* الاقتباسات بين الأقواس من كتاب ( الأمير ) لنيقولا مكيافللي ..