النظرية القانونية في الفكر السياسي البشري ..!!

08:35 2024/01/24

من يبحث في الفكر السياسي البشري سوف يلاحظ الاهتمام الكبير الذي حظيت به النظرية القانونية في مؤلفات وكتابات الكثير من المفكرين السياسيين من مختلف الحضارات البشرية ، وسوف يجد بأن الكثير منهم قد سخروا أوقاتهم وجهودهم وأبحاثهم حول دعم وتعزيز وتفعيل واظهار أهمية ومكانة القوانين في حياة المجتمعات والشعوب والحضارات البشرية ، بدايةً بالدعوة إلى ضرورة وضع القوانين المكتوبة التي تضمن تحقيق العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع ، والتي تضبط تعاملات وتفاعلات الأفراد فيما بينهم وفيما بينهم وبين السلطة الحاكمة ، والتي تحمي حقوق وحريات الأفراد من التعسف السلطوي ، مرورا بتحديد الهيئات والمجالس المخولة بتشريع القوانين وتعديلها حسب ما تقتضيه المصلحة العامة ، وصولاً إلى منح السلطة القضائية والمحاكم القوة التي تخولها لإنفاذ القوانين بالقوة على الأفراد والسلطات على حد سواء ، وكان القائد البابلي حمورابي أول من وضع القوانين المكتوبة ، حيث كانت القوانين قبل ذلك مجرد قواعد وأحكام عرفية غير مكتوبة ..!!

وتعتبر مدونة حمورابي هي البداية الأولى لظهور النظرية القانونية في الفكر السياسي البشري ، وقد تطورت هذه النظرية فيما بعد على يد المفكرين السياسيين الرومان والصينيون ، وكان للديانات السماوية دور كبير في بروز النظرية القانونية نظراً للكم الكبير من التشريعات والأحكام التي جاءت بها والتي هي بمثابة قوانين تضبط علاقات البشر فيما بينهم ، وفيما بينهم وبين خالق الكون ، وفيما بينهم وبين السلطات الحاكمة ، ولا يستطيع أحد أن ينكر الدور الكبير للنظرية القانونية في تنظيم وضبط حياة المجتمعات البشرية ، وفي مسيرة تقدم وتطور الحضارة البشرية ، فالنظرية القانونية كان لها دور كبير في انتقال حياة البشر من الفوضوية والعشوائية والمزاجية إلى حياة النظام والضبط والربط والحساب والعقاب ، وذلك الانتقال لم يحدث بين عشية وضحاها بل بالتدريج خلال مراحل تاريخية متتالية ، كضرورة فرضتها عليهم الحاجة إلى العيش في نطاق مجتمع مدني ، يقوم على التعاون وتبادل الخبرات والمنافع والخدمات بين أفراده ..!!

ورغم الايجابيات الكثيرة للنظرية القانونية إلا أن البعض ينتقدها بأن واضعي القوانين ينحازون عادةً لمصالحهم أثناء صياغتهم لتلك القوانين ، وقد يكون هذا الانتقاد مقبول فيما يتعلق بالقوانين الوضعية البشرية ، وبالذات لدى السلطات السياسية الاستبدادية والوراثية ، كونها تجعل من القوانين أدوات لتنفيذ سياساتها وتبرير استبدادها وطغيانها ضد الضعفاء والمساكين ، لكنه غير مقبول فيما يتعلق بالتشريعات والأحكام الواردة في الديانات السماوية ، كونها تنظر إلى البشر بمنظار العدل والمساواة وغير متحيزة لأي جهة أو طرف كان ، وبشكل عام فإن القوانين تفقد قوتها ومصداقيتها وشفافيتها وقيمتها واحترامها ، عندما تنحاز لمصلحة جهة أو طرف أو فئة على حساب بقية أفراد الشعب ، فقوة القوانين تكمن في حياديتها وموضوعيتها وعدالتها وشموليتها وعموميتها ، وتحقيقها لمبدأ المساواة بين الجميع ، ولم يتوقف الانسان المتمرد في كل زمان ومكان من ابتكار كل الوسائل التي تمكنه من الاحتيال على القوانين ، عن طريق استغلال الثغرات الموجودة في بعضها ، أو عن طريق التخفي خلال انتهاكها وتجاوزها ، ورغم كل ذلك تظل النظرية القانونية البشرية والتشريعات السماوية ، هي أفضل وسيلة لضبط وتنظيم حياة البشر ، وتأسيس مجتمعات بشرية مدنية ومتحضرة ، ولولا القوانين والتشريعات الإلهية لكانت حياة البشر عبارة عن غابة موحشة البقاء فيها للأقوى ، والغاية فيها تبرر الوسيلة ، واحترام القوانين والالتزام بها هو سلوك راقي ومدني وحضاري سواء على المستوى الفردي أو الجمعي أو السلطوي والعكس صحيح ..!!