قوى النفوذ والسلطة .. وسياسة اضطهاد الشعوب ..!!

11:04 2024/01/22

عندما انتقل البشر من حياة الانعزال والبداوة إلى حياة التمدن والعيش في نطاق تجمعات بشرية ، بحثاً عن الأمن والاستقرار والتعاون وتبادل المصالح ومواجهة الأخطار الخارجية ، وجدوا أنفسهم بحاجة لقيادة تنظم حياتهم الجديدة وتنظم علاقاتهم بعضهم ببعض ، وقيام تلك القيادة بهكذا مهام كان يحتاج لقوة تستطيع من خلالها ضبط علاقات أفراد التجمع البشري ، ومع مرور الزمن بدأت تمتلك تلك القيادات المزيد من السلطة والقوة والنفوذ ، ما دفعها إلى العمل على احتكار الحكم والسلطة والنفوذ في أفرادها ، ومع مرور الوقت أصبحت السلطة والقوة والنفوذ في نظرهم حق حصري لهم دون غيرهم ، لتتحول بعد ذلك السلطات الممنوحة لهم من بقية أفراد المجتمع من سلطات ضبط وتنظيم إلى سلطات استبداد وبطش وطغيان ، ونتيجة سيطرتهم على السلطة وامتلاكهم للقوة تمكنوا من جمع الثروات والأموال الطائلة تحت مسمى ضرائب وإتاوات أو عن طريق النهب والسلب ، ليتحكموا بعد ذلك في السلطة والقوة والثروة ، وهي مفاتيح النفوذ والتسلط ، لتجد المجتمعات البشرية نفسها أمام واقع جديد تتحكم فيه وتهيمن عليه مراكز وقوى نفوذ كقدر مفروض عليهم ، ولا يوجد شعب إلا وفيه مراكز وقوى نفوذ تتحكم بمصيره بصورة أو بأخرى بما يتناسب مع سياساتها ومصالحها وبقائها واستمراريتها ..!!

وحتى عندما كانت تحدث في بعض المجتمعات والشعوب البشرية ثورات ضد سلطات حاكمة استبدادية ، سرعان ما كانت تتشكل سلطات حكم استبدادية جديدة ، وسرعان ما كانت تتشكل في نطاقها قوى نفوذ جديدة ، والعجيب في الموضوع أن قوى النفوذ والسلطة في كل زمان ومكان قد تتنافس وتتصارع فيما بينها على النفوذ والسلطة ، ولكنها سرعان ما تتوحد وتتكاتف ضد أي حراك شعبي يستهدف سلطتها ونفوذها ، ويطالب بحقوقه وحرياته ، كونها ترى في السلطة والنفوذ حق وراثي مكتسب ، وتعتبر تلك المحاولات إعتداء على حقوقها ، لذلك لا تتردد في استخدام القوة والبطش ضد أي حراك شعبي ، ولا تتردد في القتل وسفك الدماء للدفاع عما تراه حق مكتسب لها دون غيرها ، وأفراد قوى النفوذ على مختلف مستوياتهم ينظرون إلى أفراد شعوبهم نظرة دونية ، ويعتبرونهم مجرد عبيد تابعين لهم وفي أفضل الأحوال مجرد رعية لديهم عليهم السمع والطاعة والامتثال لهم والقبول بأفعالهم وتصرفاتهم وقراراتهم سواء كانوا على حق أو على باطل ، وقد تصل حالة الخيلاء والغرور عند العديد من عناصر قوى النفوذ إلى الوقوف عائق أمام طموحات وتطلعات أفراد مجتمعاتهم ، بدافع الفضول والهيمنة والتسلط أو بدافع الخوف على مراكز نفوذهم وتسلطهم ..!!

من أجل ذلك جاء الإسلام بعدد من المبادئ التي تحارب قوى النفوذ الوراثي بكل أشكاله وجميع مستوياته ، من أهمها الشورى والعدل والمساواة والتي تؤسس لنظام حكم السيادة فيه لله تعالى والسلطة بيد الشعب يمنحها لمن يراه مناسبا لذلك ، ويؤسس للعدل والمساواة بين جميع أفراد الشعب ، وفي ظل هكذا نظام سياسي لن يكون هناك قوى نفوذ وتسلط وهيمنة طالما وجميع أفراد الشعب متساوون في الحقوق والواجبات ، وطالما والعدل هو سيد الموقف ، وطالما والسلطة بيد الشعب ، وبذلك فإن نظام الحكم الإسلامي الرشيد لا يسمح بتكوين قوى نفوذ وتسلط وهيمنة ، فالجميع متساوون في الحقوق والواجبات أمام الله وأمام الشرع ، وتولى المناصب في الاسلام هو تكليف ومسئولية وبحسب الكفاءة والجدارة والاستحقاق ، وليس تشريف ولا تفضيل ولا حق وراثي ولا تسلط على رقاب الناس ، ولن أبالغ إذا قلت بأن قوى النفوذ والسلطة هي الأداة التي بواسطتها تجرعت الشعوب والمجتمعات البشرية كل صور الطغيان والظلم والاستبداد والعنصرية والاضطهاد في كل زمان ومكان ، ولن أبالغ إذا قلت بأن قوى النفوذ والتسلط كانت وما تزال وستظل المأسأة والكارثة الكبرى في حياة البشر ، وهي من حولت حياتهم إلى جحيم وحروب وصراعات في سبيل الدفاع عن نفوذها وسلطانها ، لتكون بذلك أكبر عائق بشري في طريق التطور والتقدم الحضاري البشري. خصوصا في المجتمعات الجاهلة والمتعصبة والمتخلفة ..!!