تسعة أعوام من الدماء والدمار وقطع المرتبات

07:41 2024/01/12

تسعة أعوام من الدمار والدماء وقطع المرتبات والطرقات، وبين عام وآخر نظل ننظر بتفاؤل للمستقبل بحسب وعود القادة والرؤساء ، ننتظر السلام الدائم ونفاجأ بقتال دائم، نحلم ببكره أفضل ونعيش يومًا أسوأ.

قالوا أن 2003م سيكون سلام دائم، وستصرف المرتبات، وستعود القيادات للعمل من داخل الوطن، وسيعقد مجلس النواب جلساته بشكل متواصل.
أنتهى 2003 م، والوضع كما هو عليه، قيادة البلد خارج الحدود، والنواب مشتتين في معظم دول العالم، والمرتبات في خبر كان.

قالوا لنا مطلع يناير 2004م الخير قادم ومضى السياسيون يصنعون حلمًا جميلًا بأن الشعب سيعيش حال رفاهية، ولن يكون هناك  بعد الآن فقير أو محتاج، ولن يتسول أحد على قارعة الطريق، أو في المساجد.

رأينا معلمين مع مطلع 2024 يستجدون الناس في المساجد، فها هو معلم مادة فيزياء يبكي بعد أن جار عليه الزمن، ولم يجد ما يعيل به أسرته لأن كذب السياسيين مازال قائمًا، وأن مرتبات سابقة لم تصرف حتى الآن .

معلم آخر صعب على نفسه الحديث أمام المصلين، بحثًا عن قيمة علاج لأمه التي نفثت الحية سمها على عينها، وهي الان أقرب لأن تفقد بصرها لأن معلم الرياضيات غير قادر على علاج أمه في زمن غلب فيه الكاذبون على الصادقين، وتأمر فيه الجهلاء والفاسدين مصادر القرار والمال .

لم نعد نصدق أكاذيبكم، فأبواق السياسيين لم تعد تنطلي علينا، ولم نعد نؤمن إلا بما نعيشه وتراه أعيننا، ولن نكون بعد الآن سذجًا مثلما حدث لغيرنا في زمن سابق وفق ماحدث لبغال العثمانيين قبل الحرب العالمية الأولى، حيث  انطلقت سفينة شحن عثمانية من اسطنبول إلى "أم قصر" جنوب العراق ، محملة بعدد كبير من البغال لزوم قطعات الجيش العثماني جنوب العراق وشمال شرق الجزيرة العراقية .
البغل كان من أهم وسائل النقل العسكرية حينها .السفينة كانت كبيرة وكان يتم إخبار المسؤول عن إطعام البغال بواسطة "بوق" على السفينة .. فعندما يسمع مسؤول إطعام البغال صوت البوق يبدأ بفرش العلف للبغال.

لم يكن مسؤول العلف هو الوحيد الذي فهم متى الإطعام، وإنما فهمت البغال كذلك أنه بعد صوت البوق سيأتي الطعام .وهكذا استمرت السفينة تبحر والبوق يصدح كل يوم مرتين أن وقت إطعام البغال قد حان .تأخرت السفينة بعبورها لقناة السويس ولأن العلف قليل ومحسوب على مدة سفر تلك السفينة أدى ذلك لشح في العلف للبغال ..
وتم تخفيف علف البغال لمرة واحدة في اليوم ،حينها بدأت البغال تجوع ، وبدأت تخبط بحوافرها أرض السفينة وازداد غضب البغال وازداد هياجها ونهيقها.. فما كان من المسؤولين عن السفينة إلا الإجتماع لتدارك هذه الكارثة حتى لا تُحدث البغال كسر في السفينة تؤدي لغرقها .

هنا، خطرت لأحد أفراد الطاقم فكرة، وهي أنه عندما تهيج البغال يقوم مسؤول البوق بإطلاق صوت البوق ، فتحسب البغال أن الطعام على وشك القدوم فتهدأ .‏وهذا ما كان ..
كلما هاجت البغال يُطلق صوت البوق فتهدأ البغال ، واستمرت الرحلة على هذا المنوال .. هياج للبغال ، صوت بوق ، هدوء للبغال. ثم بعد سويعات هيجان للبغال،صوت بوق، هدوء للبغال، حتى وصلت البغال للعراق وانتهت الرحلة بسلام.

هذه الخطة بعد نجاحها الساحق على البغال تم تطبيقها على الشعوب المقهورة . فعندما تجد الشعوب ضعف في الخدمات، فساد، سرقات، أجور لا تكفي قوت يومها، مساخر في كل شيء ، أوهام غير حقيقية، تأجيل وتأجيل لكل شيء تبدأ حينها تلك الشعوب بالغضب والهجيان والصراخ، حينها تأتي الأوامر أن أطلقوا الأبواق ..
فتبدأ الأبواق تنطلق من هنا وهناك
انتظروا فإن الأزمة صبر ساعة، المستقبل زاهر
والأفق مشرق، الإنتصار قريب،البلد من أغنى البلاد ولكن، هناك أموال ستأتي،هناك حلول يتم الإعداد لها، هناك خطط قادمة
هناك وهناك وهناك ، ولسوف .. وستأتي،  والمستقبل لا يمكن تخيله من شدة ما سيكون عليه الوضع من رفاهية وخدمات ..وتمضي الأيام والأشهر والسنوات والوضع من سيء لأسوأ،  ولا يتم إلا إلقاء الفتات الفتات، والفتات يقل ويقل، وكلما يحس الناس بالظلم والقهر والفقرلا يأتيها الحل سوى من ( الأبواق ) .