الكرامة والحرية الإنسانية في الإسلام ..!!

10:43 2024/01/11

لقد إعتنى المنهج الإسلامي أيمَّا عناية بالكرامة الإنسانية ، فمن يبحث في هذا المنهج الرباني العظيم ، سوف يصاب بالدهشة والذهول لمدى إهتمامه بالإنسان كمخلوق كرمه الله تعالى بالكثير من صور التكريم ، دوناً عن بقية المخلوقات ، قال تعالى (( ولقد كرمنا بني آدم )) ، طبعاً التكريم هنا للرجال والنساء على حد سواء ، وفي ذلك يقول الدكتور عبدالرحمن نحلاوي " الكرامة الإنسانية في الإسلام هي :- تربية الإنسان على التحرر من الظلم ، لأن الله تعالى كرم الجميع بالإنتماء إليه ، وولايته ، وعدله ، وخلقهم متساوين أحراراً ، ففيم الذل ، وفيم الظلم ، وفيم الخضوع ، لغير ما أمر الله تعالى ؟ وفيم يستعبد الإنسان أخاه الإنسان ؟ ... وشعور الإنسان بكرامته ، يعني تحرير قلب الإنسان ، وعواطفه ، وانفعالاته ، من القلق والمخاوف ... ويعني هذا الشعور تربية المجتمع على مبدأ الكرامة الإنسانية ، وبهذه التربية ينظر الإنسان إلى أخيه الإنسان نظرة احترام ، وتعاون ، ومساواة ، لا نظرة استعلاء أو تذلل ، فتنتفي المظالم ، ويصبح الناس سعداء ، يعرف كل منهم حقه ، وحده ، وواجبه ، ويعرف كيف يتعاون ، ويتشاور ويتعايش مع أخيه الإنسان " ..!!

ومن صور التكريم الإلهي للإنسان كما وردت في التشريعات الإسلامية ما يلي :- التأكيد على أن الروح الإنسانية هي نفخة من روح الله تعالى ، قال تعالى (( ثم سواه ونفخ فيه من روحه )) ، وهذا يقودنا إلى ضرورة المحافظة على حياة الإنسان ، وعدم الإعتداء عليها أو إزهاقها بدون وجه حق ، وما تقوم به الدول والجماعات المتعصبة والمتشددة والمتطرفة ، في جميع أنحاء العالم ، من أعمال إرهابية يترتب عليها إزهاق الأرواح البشرية البريئة بالجملة ، يتناقض تماماً مع ذلك التكريم الإلهي ، وكرم الله تعالى الإنسان بأن خلقه في أحسن وضع خلقي ، وفي أجمل هيئة وصورة ، قال تعالى (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )) .. (( وصوركم فأحسن صوركم )) . وكرم الله تعالى الإنسان بأن أمر ملائكته الكرام بالسجود لأبو البشرية آدم عليه السلام ، طبعاً سجود تكريم وليس سجود عبادة ، قال تعالى (( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا )) ..!!

وكرم الله تعالى الإنسان بالعقل ، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد رجب الأسمر " ( العقل يمنح الإنسان  القدره على التفكير ، والتدبر ، والفهم ، والقدرة على الاختيار والتمييز بين الخير والشر ، والقدرة على إكتساب العلم والمعرفة ، قال تعالى (( وعلم آدم الأسماء كلها )) .. (( علم الإنسان ما لم يعلم )) ، وبذلك فإن العقل يعتبر من أهم معايير التكريم الإلهي للإنسان ، لما فيه من كمال الذات وإدراك الوجود وتصريف الأمور ) " . وكرم الله تعالى الإنسان بأن سخر له كل ما في هذا الكون الواسع ، من سماء وأرض ومخلوقات ، كلها في صالح الإنسان وفي خدمته ، وتحقيق المنافع له ، قال تعالى (( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه )) . وكرم الله تعالى الإنسان بأن إختاره دون غيره من المخلوقات على كثرتها ، ليكون خليفةً له على الأرض ، قال تعالى (( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض )) . وكرم الله تعالى الإنسان بأن آسبغ عليه النعم الكثيرة الظاهر منها والباطن ، والتي لا تعد ولا تحصى ، قال تعالى (( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً وباطنة )) ..!!

وكرم الله تعالى الإنسان بحرمة قتله وإزهاق روحه بدون وجه حق ، وفي ذلك تأكيد على الحرمة الكبيرة للنفس البشرية ، قال تعالى (( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق )) ، فما بالنا اليوم ونحن نشاهد الدول والأنظمة السياسية والجماعات المتشددة والمتطرفة والجهات المتصارعة على السلطة حول العالم ، وهي تتفنن في إزهاق الأرواح البشرية المدنية البريئة  بدون وجه حق ، في مخالفة صريحة لشرع الله تعالى ، ولحرمة هذه الأرواح عند الله ، إرضاءاً فقط للأهواء والنزوات والتعصبات والأطماع السلطوية . وكرم الله تعالى الإنسان على سائر المخلوقات ، لما منحه من قدرات وطاقات وٱمكانيات ، ليست متوفرة لغيره من المخلوقات ، قال تعالى (( وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً )) . ومما سبق ذكره يتضح لنا مدى تكريم الله تعالى للإنسان ، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد رجب الأسمر " ( كرامة الٱنسان في المنهج الإسلامي مصانة ، لا يجوز الإعتداء عليها ، من أي جهةٍ كانت ، أو سلطةٍ كانت ، ويقتضي هذا الحق حماية الفرد ، من الظلم والطغيان ، ومصادرة أي حق من حقوقه ، أو تعريضه للأذى والإذلال ، وتحقير النفس بأي صورة من صور الإهانة والتحقير ، سواء كان ذلك بالقول ، كالشتم والسباب والغيبة والنميمة ، أو بالعمل بتكليفه ما لا يطيق ومعاملته بما لا يليق ) " ..!!

إن كل ذلك التكريم الإلهي للإنسان ، يجب أن يكون مدعاةً لنا جميعاً كأفراد وجماعات وأحزاب وقيادات وحكام ، أن نحترم ذلك التكريم الإلهي ، من خلال إحترامنا لحقوق وحريات الإنسان ، ومن خلال بث روح الإخاء والتسامح والتعاون والتعايش السلمي والتعارف الإيجابي ، بين جميع البشر ، فجميع البشر خلقوا من أصلٍ واحد ، قال تعالى (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة )) ، وكل ما نشاهده ونعيشه من صور التمييز والتفريق العنصري والسلالي بين البشر في كل زمان ومكان ، ما هي إلا عبارة عن إجتهادات وأفكار بشرية ، ناتجة عن نزعة إستعلائية عنصرية ، تعمل على صناعة الفوارق الطبقية بين البشر ، بهدف صناعة المزيد من الخلافات والتباينات والتعصبات ، التي تقود إلى إهدار كرامة وحريات وحقوق الإنسان وتتعارض مع الشرع والعقل والمنطق والتكربم الإلهي للإنسان بصفته إنسان ..!!

مقتطفات من كتابي بعنوان ( معالم المشروع الحضاري في المنهج الإسلامي ) ..!!