Image

النازحون .. الهروب من الموت إلى الموت

مآسي ومعاناة سكان المخيمات من النازحين يكشفها الاهمال الذي يُمارس ضدهم من قِبل المنظمات الأممية والإنسانية إلى جانب السلطة المحلية في المحافظات التي أُقيمت فيها مخيماتهم.

وبدلًا من تقديم العون والمساعدات للنازحين أصبحوا مصدر تمويل يستغل للتكسب والحصول على الأموال من الداعمين لتضل طريقها إلى المخيمات المترامية هنا وهناك ، ويرمي الفتات لمن أجبرتهم الحرب على ترك مدنهم وقراهم ومنازلهم، 
والتي تشير تقارير أممية إلى أن أكثر من ثلاثة ملايين يمني نزحوا من منازلهم، جراء النزاع المستمر بين القوات الحكومية و مليشيا الحوثي منذ أواخر 2014 وتصفها المفوضية العامة للاجئين التابعة للأمم المتحدة، أنها  "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، إذ تقدر المنظمة الدولية بأن 66% من سكان البلاد، أي ما يعادل 21 مليون يمنيًا، محتاجون للمساعدات الإنسانية بما في ذلك4 ملايين نازح داخليًا.

"المنتصف" أجرت استطلاعًا ، وسلَّطت الضؤ على تلك المعاناة .

في لحج وتعز يقضي آلاف النازحين يومياتهم في محافظة لحج في ظل إهمال ونقص المساعدات الغذائية في مراكز الإيواء.

معاناة البحث عن الطعام

( م علي س ) نازح من الحديدة يقضي يومياته في مخيم الرباط، أحد أكبر  المخيمات في لحج في معاناة سد رمق اسرته من الطعام، الأمر الذي اضطره للخروج عن ما يسد به جوع أطفاله، حيث يقوم بحمل بعض السلع والبضائع  في السوق عند أحد تجار الجملة بعدن، يقول: "نتيجة خفض الدعم المقدم من المنظمات صرت أعمل في سوق السيلة حتى أتمكن من شراء احتياجات أُسرتي اليومية،  على الرغم ان ما اتقاضاه مبلغ زهيد مقابل العمل الشاق الذي أبذله لمواجهة صعوبة الحياة، وسط الحر الشديد، إلا أنني مضطر لهذا العمل رغم إني معلم في محافظة الحديدة، والحرب أجبرتني على النزوح مع أُسرتي المكونة من تسعة أفراد تحتاج للانفاق كثيرا في ظل شحة الدعم المقدم لمخيم النزوح، وغير المنتظم مقابل الالتزامات الضرورية للأسرة من غذاء وعلاج ولو أن هناك مدارس في المخيمات لكنت عملت بالتدريس".

بدأ كل شي يتلاشى

يضيف ( احمد . ن ): "نزحت من الحديدة إلى مخيمات النازحين في لحج، وكان خروجنا حينما  تقدمت القوات الحكومية نحو تحرير الحديدة. الحرب أجبرتنا على ترك منازلنا، كونها في خط النار. في البداية استقبلتنا المنظمات، ومنحتنا خيم وفرش وبطانيات ومواد غدائية وكان القائمون على المنظمات يزوروننا بين فترة وأخرى لتلمس احتياجاتنا، ومرت شهور وبدأ كل شئ يتلاشى، وأصبحت المساعدات تتأخر عن موعدها، مما دفع البعض للبحث عن سُبل أخرى للحياه، وخرج الكثير يبحثون عن عمل، القليل منهم من تمكنوا من الحصول على الرزق وآخرين تحولوا إلى متسولين".

صعوبات ومبررات

عمر الصماتي، رئيس الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في لحج مؤكدًا: أن أكبر صعوبة تواجه عمل الوحدة تتمثل في الجانب الأمني في مخيمات النزوح الذي يشكو منه الكثير من النازحين، بالإضافة لانعدام الأمن الغذائي، و "جميع مايتم تقديمه من المانحين لا يتناسب مع الأعداد المتزايدة والحاجات الضرورية لفئة النازحين التي تعتمد أساسًا على ما يُقدم لها من دعم كمصدر للعيش من قِبل الجهات المانحة".

من المخيم الى مقلب القمامة

يكشف ابو خالد من المهمشين الذين نزحوا من تعز الى مدينة التربة وسكنوا مدرسة الفجر الجديد لفترة، ونُقلوا إلى مخيم قي دبع، و انتهى بهم الأمر إلى نصب خيامهم على مقلب قمامة قرب من ذبحان، يكشف عن المعاناة التي يقاسونها قائلًا: "في البداية كانت المنظمات تأتي إلى المخيم، وتقوم بإيصال المساعدات إلى المدرسة، ويلتقطون الصور لنا ونحن نتسلم المساعدات بصورة مهينة للنازح، وبعدها نُقلنا إلى مخيم بعيد عن المناطق السكنية في دبع، وأُقيمت مخيمات في أرضية مستأجرة.
ما إن بدأنا نستقر بعد ان تلقينا وعودًا من تحويل المخيمات من خيم قماشية الى خشبية تفاجأنا بصاحب الأرض ينذرنا بمغادرة ارضه، وذلك لعدم دفع الإيجار المتفق، وتراكمت الايجارات على المنظمة، ورحلنا إلى أرض بالتربة مخصصة لمقلب القمامة، شيدنا خيامنا وسكنا فيه، مع مخاطر الأمراض المنبعثة من القمامة، وأُصيب الكثير بأمراض صدرية، مع انعدام الادوية. هناك حالات وفاه، وهناك من غادر المكان، وبحث عن مخيم آخر في محافظة أخرى، وآخرين خرجوا للتسول وغسل السيارات واستأجروا دكاكين، وجعلوا منها مساكنًا تقيهم من البرد والمرض .

   
الموت بردًا
وفي مارب لا يختلف الأمر كثيرًا، حيث يشكو سكان المخيمات من البرد القارس، وعدم كفاية البطانيات، وذلك في فصل الشتاء .
ارتفع عدد الوفيات بسبب البرد الشديد في مأرب إلى عشر حالات، بحسب الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين الحكومية.

يقول النازح  صالح العنقزي والد الطفل شعلان الذي انتهى به المطاف في مخيم المعاشير للنازحين في مأرب، التي تحتضن أكبر مخيمات النزوح: "توفى ابني متأثرًا بالبرد الشديد بعد حياة قاسية امتدت عامًا ونصف العام في خيمة مهترئة، لم يهنأ فيها بنوم هادئ، ولا بطعام يسد جوعه".

وفي موسم الأمطار فإنهم غالبًا ما يتعرضون  لكوارت السيول، ويجدون أنفسهم في العراء

أمراض تهاجم كبار السن

أم مروان تكشف عن المعاناة التي تعيشها منذ  سنوات في مخيم النازحين بالقول: "مَرَّت السنوات ونحن بدون كهرباء وأطفالنا بلا تعليم، نعاني بشكل كبير من البرد القارس، وسط شحة الإمكانيات، وعدم توفر الملابس الشتوية، وانتشار الأمراض و عدد من كبار السن كانوا يعانون من أمراض مزمنة أو التهابات صدرية لا زالوا يعانون منها بسبب البرد الشديد والافتقار التام لوسائل التدفئة في مخيمات النزوح".

تلك المعاناة اليومية 
ودعا المسؤول عن مخيم "المعاشير" الجهات الحكومية المختصة والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية، إلى سرعة إنقاذ النازحين، وتوفير السكن اللائق لهم. وتقديم المساعدات الغذائية والنقدية، والمياه الصالحة للشرب، وتوفير ملابس شتوية لمواجهة البرد الشديد.

ختامًا..
ما زالت موجات النزوح متواصلة مع استمرار النزاع الدموي في البلاد، وغياب أي أفق للحل السياسي.

هنا يتطلب من الجهات الفاعلة من شركاء العمل الإنساني، تلبية متطلبات النازحين بتزويد الأُسر النازحة بالاحتياجات الأساسية; لحمايتها من موجات البرد القارس والصقيع, ومراعاة الأطفال والمسنين، وتوفير الغذاء والعلاج والتعليم، وكافة سُبل العيش الضرورية بقدر ما تصلهم من مساعدات من المانحين، والتي تُقدَّر بملايين الدولارات