الإعاقة الفكرية .. وآثارها السلبية على المجتمعات البشرية

11:20 2024/01/06

الإعاقة الفكرية أكثر ضرراً على المجتمعات البشرية من بقية الإعاقات التي قد تتعرض لها ' وذلك لأن الإعاقات الأخرى ضررها خاص ومحدود بينما الإعاقة الفكرية ضررها عام وواسع ، لذلك تسعى المجتمعات البشرية المتقدمة والمتحضرة لمعالجة أفرادها من الإعاقات الفكرية بكل أنواعها وبكل الوسائل الممكنة  ، وأهم تلك الوسائل العمل على رفع مستواهم الثقافي والعلمي والمعرفي , فالثقافة والعلم والمعرفة والبحث والإطلاع والدراسة هي العلاج الناجع لمواجهة الإعاقات الفكرية بكل أنواعها , لأنها تساهم بشكل إيجابي في توسيع المدارك العقلية , والتي بدورها تعمل على تفعيل العقل وصقله وتنويره ' وتمنحه القدرة على التمييز بين الفكر الإيجايي والفكر السلبي ، والقدرة على كسر قيود الإعاقة الفكرية ، التي تفرضها عليه سوء الأفكار الدينية المتشددة والمتطرفة ، أو الأفكار العنصرية ، أو الأفكار التي تمجد الخرافات والأساطير ، وكل الأفكار المتناقضة مع الشرع والعقل والمنطق والعلم .

لأن هكذا عقل مصقول ومستنير يستطيع التمييز بين الأفكار الدينية المتطرفة وبين الأفكار الدينية المعتدلة والمتوازنة ، ويستطيع التمييز بين الأفكار التي تدعو إلى التمييز العنصري وبين الأفكار التي تدعو إلى المساواة بين البشر ، ويستطيع التمييز بين الأفكار الخرافية والأسطورية ، وبين الأفكار العلمية والمادية التي تنسجم مع العقل والمنطق ، مهما حاول أصحاب الأفكار السلبية من إضفاء الشرعية والقداسة عليها ، ومهما حاولوا تزيينها وتنميقها بالكلمات والجمل والعبارات الرنانة ، فمجال عملهم هو استغفال العقول والاستخفاف بها بهدف إعاقتها وتضليلها والسيطرة عليها وتسخيرها في تحقيق أهدافهم ومصالحهم ، وبذلك فإن القدرة على التمييز بين كل ما سبق ، هو المقياس الحقيقي بين العقل المستنير والواعي وبين العقل المتخلف والجاهل ، وهو المقياس العملي للتمييز بين العقل غير المعاق فكرياً وبين العقل المعاق فكرياً .

وللأسف الشديد ، فالمعاق فكرياً يساهم بشكل أو بآخر في تفشي الإعاقة الفكرية في أسرته ومحيطه ومجتمعه ، حتى يصبح الفكر المعاق هو المهيمن على هذا المجتمع أو ذاك ، وهكذا مجتمعات معاقة فكرياً من السهل جداً السيطرة عليها سواء من فرد أو أفراد أو مؤسسات أو أنظمة حكم ، وإعدادها وفق قواعد معينة لتنفيذ مخططات معينة ، لذلك عادةً ما نشاهد أنظمة الحكم القمعية والاستبدادية في كل زمان ومكان ، وهم يبذلون كل جهدهم لدعم الأفكار السلبية التي تعزز الإعاقة الفكرية بين أفراد المجتمع ، ويحاربون وبكل قوة الأفكار الإيجابية . فرغم الآثار السلبية للإعاقة الفكرية سواء على الفرد أو المجتمع إلا أن هناك أفراد وجماعات وأنظمة حكم يحققون فوائد جمة من هكذا حال ، فمصائب قوم عن قوم فوائد ، ورغم أن الإعاقة الفكرية تضر المجتمعات البشرية بشكل كبير ، إلا أنها تخدم فئات قليلة ، لا تستطيع العيش إلا في ظل السلبية ، وفي ظل استمرارية الإعاقة الفكرية الفردية والجمعية .

والإعاقة الفكرية لها آثار سلبية مدمرة على المجتمعات البشرية منذ نشأتها على الأرض وحتى اليوم ، وما أوقدت نار المعارك ودقت طبول الحروب وقتل الإنسان أخيه الإنسان ، إلا نتاج الإعاقة الفكرية في كل زمان ومكان ، وما حدث خلال الحرب العالمية الثانية من دمار وخراب وقتل لم يسبق له مثيل إلا نتيجةً للأفكار العنصرية النازية ، وما يحدث اليوم من حروب وفتن وصراعات في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية إلا نتيجة تفشي وتوسع الإعاقة الفكرية بكل أشكالها الدينية والطائفية والمذهبية والمناطقية والعنصرية على كل المستويات الفردية والجماعية والرسمية والشعبية ، وإذا كانت بعض المجتمعات البشرية تعاني من أحد أنواع الإعاقة الفكرية ، فإن المجتمعات العربية والإسلامية تعاني من إعاقات فكرية مركبة ومعقدة ، نتيجة حالة الممانعة الكبيرة لقوى النفوذ والسلطة لكل ما يمكن أن يساهم في علاج ومواجهة تلك الإعاقات الفكرية ، وممانعتها لكل ما يمكن أن يساهم في إنشاء أجيال مفكرة ومتحررة ، كون المجتمع المعاق فكرياً هو الضامن الوحيد لاستمرارية وبقاء هذه القوى ' وهو البيئة المناسبة لتكاثرها وتعاظم نفوذها وقوتها وتسلطها.