عام تحقُّق التمنيات وتحرُّر الشُّعوب
تختلف التمنيات من فردٍ لآخر بحسب البيئة وعوامل النشأة ودروب الحياة اليومية، فهناك من يتمنَّى الصحة ويعتبر أن البقية تأتي، وهناك من لديه شغفٌ نحو كسب المال الوفير، وهناك من يرى في العمل والتدرج الوظيفي هدفًا. أما السعادة فهي حالة يشترك في السعي لنيلها الجميع.
ثم يأتي نجاح الأبناء وأخذهم لفرص الحياة، فهم انعكاسٌ لمبعث فخر لأبويهم قبل كل شيء، واستقامة سلوكهم وعلاقتهم بالله وبالآخرين، وتمسكهم بالقيم النبيلة والأخلاق الحميدة والمبادئ، واعتزازهم بهويتهم العربية والإسلامية.
كلها أمانٍ مشروعة وطموحات قابلة للتحقق، وندعو الله أن يستجيب لدعاء الجميع.
الأمنيات، وليست الأحلام، كما تقول الروائية الجزائرية الكبيرة أحلام مستغانمي: "اكتب عن التمنيات وليس عن الأحلام، لأنها لو تحققت لما سُميت أحلامًا!!!".
الحياة معركة كبيرة، ساحتها في داخل الإنسان وعقله، لكنها محكومة بواقع قد يكون مؤلمًا وغير متاح تمامًا أو غير قابل للتنفيذ، يعكر صفوها للأسف بؤر الصراع والتحديات التي تواجه الإنسان. غير أن الأمل يظل متأججًا في قلوب الكثيرين، والرغبة في التغيير والتحسين تدفع بالأمم نحو التقدم والازدهار.
بالرغم من العقبات، يظل الإيمان بالقدرة على تحقيق التمنيات واستلهام العزيمة منها، جوهر النضال الإنساني في سبيل حياة أفضل. ومن هذا المنطلق، تتجسد أهمية العمل الجماعي والسعي الحثيث لبناء مجتمعات تسودها العدالة والحرية والكرامة الإنسانية.
ما فعلته الحروب وما تفعله الحرب جعلنا نغير مسار أمانينا، خصوصًا نحن اليمنيين وسكان الدول الأخرى التي تأثرت بالصراعات والفوضى، مثل السودان وسوريا وليبيا والعراق. وما تعرض له الشعب الفلسطيني، وخاصة سكان قطاع غزة، هو أمر مروّع يتطلب توحيد جهودنا لمواجهة الحزن، إذ إن القضية الاستثنائية ومصدر كل الألم الذي يحيط بنا.
خوض تجربة الحرب بالبنادق واستخدام الطائفية والعنصرية يعد أسوأ بكثير من المشاكل الاقتصادية العابرة والأزمات المالية ونقص الغذاء أو الدواء. الخبرات المريرة التي عاشتها شعوبنا تكفي لإعادة تقييم أولوياتنا ولجعل الأنظمة تتحمل مسؤولياتها وتواجه الثغرات.
ما يؤلمني في هذه اللحظات الفارقة والزمن المليء بالألم ، وما دفعني للاستغلال الآني للكتابة في صباح هذا العام الجديد الذي اجتاح خيالاتنا وأمانينا، هو ما يعانيه الشعب الفلسطيني الذي تخلت عنه الدول جميعًا، باستثناء بعض الشعوب الحية والأفراد الذين لا يزال لديهم ضمير.
فقد قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب جرائم بشعة في الصراع الأخير، وهي من بين أبشع الأعمال التي شهدتها المنطقة في العصر الحديث. وسط هذه الأحداث، بدت الردة العربية صامتة وبادرت الولايات المتحدة وأوروبا لدعم الجانب الإسرائيلي، مما أدى إلى تعاظم الانتقادات والجدل حول هذا التحالف وتصرفاته.
من خلال الأحداث في قطاع غزة، تبيّن أن داعي القيم ومدافعي حقوق الإنسان الذين يدعون إلى احترام القوانين الدولية وتنفيذها قد فشلوا في التصدي لهذه الأزمة بشكل كامل. حيث تحولت غزة إلى أطلال مكدسة بجثث الأبرياء، بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن، حيث لم تُحترم المدارس والمستشفيات والطرق وحتى سيارات الإسعاف والمأوى ووسائل الإعلام.
في ظل هذا الواقع، فإن السكان الفلسطينيين في غزة يشعرون بأن كل جوانب حياتهم الأساسية قد تمت مصادرتها. إذ فقدوا الوصول إلى المياه والدواء ووسائل الاتصال التي يستخدمها العالم في العصر الحالي. يبدو وكأنهم محاصرون في عزلة تامة وحُرموا من الدعم الدولي والإنساني.
في نهاية المطاف، تظل أمانينا وتطلعاتنا بمثابة النور الذي يهدينا في الظلام، والقوة التي تحثنا على الاستمرار رغم كل الصعاب. وبينما نقف على أعتاب عام جديد، نحمل في قلوبنا الأمل بأن يكون عامًا تتحقق فيه التمنيات وتنعم فيه الشعوب بالحرية والسلام.