النساء المهمشات أمام خطر العنف ومواجهة تحدي الفقر
ظل مجتمع مبني على الثقافة السائدة تتجسد فيه ثقافة التراتيية الطبقية. يمثل العنف ضد النساء المهمشات في اليمن مشكلة مستديمة وكبيرة وانتهاكاً لحقوق الإنسان التي تتمتع بها المرأة، حيث وصل وصل التمييز الذي يتعرض له المهمشون إلى المستوى الحرمان من الحقوق والاستغلال الجنسي والتحرش مقابل الحصول على سلة غذائية، فضلاً عن الإقصاء والتمهمش السياسي.
فئتة المهمشين هي أقلية وطنية من حيث الكم، وجماعة ضعيفة محرومة من حيث الكيف، ويجب أن تتحقق مصالحها، وفقًا للدستور والقانون اليمني ومبدأ (التمييز الإيجابي) في حقوق الإنسان.
منذ اندلاع النزاع المسلح في مارس ٢٠١٥م تعرضت النساء المهمشات في اليمن لمختلف أشكال الاستغلال، أبرزها ما يتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، من أجل الحصول على المساعدات الغذائية والإنسانية التي تقدمها المنظمات.
وتواجه النساء من هذه الفئة خطر الحصول على الغذاء من قبل وسطاء الإغاثة "طلبات الجنس مقابل المساعدات"، حيث يستغل بعض القائمين على الإغاثة سلطتهم لتحقيق تحرشات جنسية ضد النساء والفتيات، مقابل الحصول على سلع أو خدمات ضرورية للبقاء على قيد الحياة.
ينطوي هذا الوضع على مخاوف من عواقب رفض الطلب، فتلجأ العديد من النساء المهمشات إلى تجنب الحصول على الخدمات خوفاً من خطر الاستغلال الجنسي.
تحكي امرأة من فئة المهمشين تعيل 5 أطفالها بمفردها بعد رحيل زوجها."تفضل عدم ذكر اسمها" حاول أحد الأشخاص المسؤولين عن توزيع المساعدات الإنسانية في الحي الذي تعيشه الاقتراب منها وتقديم سلة غذائية لها. وأخبرها أن عليها الذهاب إلى مكان معين لاستلام سلتها، والذي تم إدراج اسمها في قائمة المساعدات هناك.
ومن أجل الحصول على طعام لأطفالها الجائعين، قررت تلبية النداء وذهبت إلى المكان المخصص لاستلام سلتها. وبعد أن وصلت هناك، اكتشفت أنها وقعت في كمين الاغتصاب. قاومت محاولة اغتصابها بشجاعة ونجت من الواقعة بصعوبة.
المهمشات يتعرضن لأبشع أنواع الاستغلال من خلال فخ المساعدات والسلال الغذائية، كونهن أكثر فقراً، ويعشن ظروفا اقتصادية صعبة، ويفتقرن للحماية الاجتماعية والقانونية وحالات الاستغلال والتحرش تتزايد بين هذه الشريحة، خصوصاً مع الأزمة التي تمر بها البلاد، وعدم تفاعل المجتمع مع شكاوى المهمشات.
يجدر بالذكر أن النصوص الدستورية اليمنية على ورق رغم أنها تشرع كفالة حقوق الإنسان أفراداً وجماعات ، غير أنها تظل مغلقه أبوابها أمام شكاوي وقضايا مجتمع المهمشين حيث نصت المادة (٤١) من الدستور اليمني على أن المواطنين متساوون جميعًا في الحقوق والواجبات العامة، إلا أن هذه المساواة ظلت على الورق فقط.
ونصت المادة (٢٦٩) من قانون العقوبات: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات من اغتصب أي شخص، ذكراً كان أو أنثى، بدون رضاه."
وقد شدد القانون عقوبة الاعتداء الجنسي إلى السجن لمدة لا تزيد على عشر سنوات إذا وقعت الجريمة من شخصين فأكثر، أو إذا كان الجاني أحد القائمين على الإشراف على المجني عليه، أو إذا أصيب المجني عليه بضرر جسيم نتيجة للحادث، أو إذا حملت الضحية نتيجة للجريمة.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على خمس عشرة سنة، إذا لم يبلغ سن المجني عليه الرابعة عشرة، أو إذا أدى الفعل إلى انتحار المجني عليه.
وهنا يتساءل العديد من مثقفي فئة المهمشين، هل يمكن أن يقتل المغتصب ضحيته حتى يتم ثبوت جريمة الاغتصاب ضده ام أن نظام قانون العدالة لا يخص مجتمع المهمشين؟!
وعلى الرغم من وجود نصوص قانونية في اليمن تؤكد على ضرورية المساواة بين المجتمع اليمني وتمكينه من الحصول على الحماية القانونية وتحظر العنصرية، إلا أنها لا تكفل حماية النساء المهمشات من الاستغلال والتحرش والاغتصاب، وذلك بسبب الفجوات المبنية على التراتيية الطبقية التي تعيق تنفيذ هذه القوانين إضافة إلى هشاشة الدور الأمني والقضائي في البلاد، مما قد يعرضها للعديد من أشكال العنف من قبل شركائها أو أفراد المجتمع المحيط بها. وهنا يكمن التحدي الكبير الذي تواجهه المرأة المهمشة في اليمن، حيث يتعين عليها أن تكافح من أجل التغيير والمساواة في مواجهة هذه العقبات وتعزيز حقوقها. لذلك، يظهر أن واقع المرأة المهمشة في اليمن هو تحدي مستمر ومعقد يتطلب جهوداً تشاركية من كافة فئات المجتمع والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية على حد سواء لتحقيق المساواة الجندرية وتمكين المرأة المهمشة لتتمتع بحقوقها بالكامل وكذلك تعزيز دورها وإسهاماتها في تنمية المجتمع وحمايتها من العنف الذي قد يصل إلى درجة تجاوز حدود حقوق الإنسان التي تتمتع بها المرأة، بما في ذلك الحقوق الملكية للأراضي السكنية.
فالنساء يعانين من التمييز والحرمان من ذلك الحق. علاوة على ذلك، فإن المرأة المهمشة تواجه تمييزًا اضطهادياً سياسيا، حيث يتم استبعادهن وتجاهل قضاياهن وآرائهن في العمل السياسي. تشكل النساء المهمشات في اليمن فرقا صغيرة العدد وضعيفةً في المقارنة مع باقي المجتمع، وبالتالي فهن جماعة محرومة من حقوقهن وضعيفة التأثير.وفقًا للدستور والقانون اليمني، يجب أن تحقق مصالح هذه الفئة ضمن المجتمع، وهذا يعني أنه يتوجب على الجهات المعنية أن تعتمد تدابير وإجراءات تهدف إلى تحقيق استقرار ورفاهية هذه الفئة المهمشة، لضمان تنمية مستدامة للمجتمع في مجمله.
تلعب مبادئ حقوق الإنسان دورًا مهمًا في ضمان العدل والمساواة، إذ تضمن حماية حقوق جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن جنسهم أو توجههم الجنسي أو أي سمات أخرى. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، يتم تطبيق مبدأ "التمييز الإيجابي" في حقوق الإنسان لدعم وتعزيز حقوق المرأة المهمشة في اليمن، حيث يعمل هذا المبدأ على توفير فرص إضافية للمرأة ومعاملة عادلة تساعدها في تحقيق تمكينها وتطورها الشخصي والمهني. وبالتالي، يسمح هذا المبدأ بتحقيق التكافؤ والعدالة الاجتماعية بشكل شامل، بما في ذلك تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للنساء والفئات المهمشة الأخرى في المجتمع اليمني
.في النهاية، يجب أن نعمل جميعًا كمجتمع للتصدي لمشكلة العنف ضد النساء والتمييز المستمر الذي يواجههن في اليمن. وأن نسعى جاهدين لتعزيز الوعي حول هذه القضية الهامة والعمل على توعية الناس بأن هذا العنف يتعارض مع قيمنا الاجتماعية والأخلاقية. ومن المهم أن يكون هناك عمل جدي من قبل السلطات المحلية في تطوير وتطبيق سياسات وبرامج تهدف إلى حماية المرأة وتوفير بيئة آمنة لها.
كما يجب أن يفعل دور تعزيز وحماية حقوق المرأة المهمشة وتوفير فرص متساوية لهن في المجتمع، بدءًا من النماذج القائمة على المساواة في التعليم وفرص العمل. يجب أن نتأكد من أن المرأة لديها الحق في اتخاذ القرارات المهمة في حياتها وأنها لا تواجه أي تمييز أو عدم عدالة بسبب جنسها.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكفل القانون ضمان مشاركة المرأة في العمل السياسي والاقتصادي وغيرها من المجالات المختلفة.
في النهاية، يعتبر تعزيز حقوق المرأة ومكافحة العنف ضد النساء والتمييز التي تواجههن في اليمن مسألة لا يمكن التغاضي عنها. إنها مسؤولية أفراد ومجتمع يفترض العمل عليه بشكل فعال ومستمر لتحقيق العدالة والمساواة في حياة المرأة اليمنية.