Image

واشنطن تستثمر ب"سلام ملغوم" في اليمن .. تواجُد في البحر وهيمنة على الإقليم مع استمرار الصراع

يتصاعد الجدل حول الدور الأمريكي في البحر الأحمر ومدى استفادته من الوضع الراهن، فيما تتحدث وسائل إعلام أوروبية وأمريكية في الأيام القليلة الماضية عن تأثر عملية السلام اليمنية بالتصعيد الراهن هناك، وبخاصة التدابير التي تم التوافق بشأنها، والمتعلقة بوقف إطلاق النار ومعالجات إنسانية اقتصادية.
ورغم معرفة المجتمع الدولي بما فيها الولايات المتحدة، بأن مليشيات الحوثي الإيرانية لا تلتزم بأي اتفاق وان لها تاريخ طويل بنقض العهود والمواثيق التي توقع عليها، الا ان الولايات المتحدة واصلت جهودها بشأن جعل تلك الجماعة أحد أهم شريك لها في المنطقة، من خلال الدفع نحو توقيع "اتفاق ملغوم" تحت مسمى "خريطة طريق" تضم العديد من الالتزامات والتفاهمات التي ستقود إلى سلام شامل وفقًا لرؤية سعودية – ايرانية برعاية امريكية أممية.

اشتراط حوثي جديد
وفي هذا السياق، اشترطت مليشيات الحوثي مقابل توقيعها على خريطة الطريق التي اعلنها المبعوث الأممي مؤخرًا، أن يتم التوقيع عليه من قبل السعودية باعتبارها طرفًا وليس وسيط، رافضًا توقيع الشرعية على الاتفاق.
ويرى مراقبون بأن التواطؤ الأمريكي مع الجماعة خاصة فيما يتعلق بعدم الرد على الهجمات التي تشنّها خدمة لايران على الملاحة في البحر الاحمر، دفع الجماعة إلى شعورها بالقوة وانها تستطيع أن تفرض وتملي على المجتمع الدولي والإقليمي ما تريده، وهو ما يتم فعلًا على أرض الواقع.
ونقلت وكالة " سبوتنيك" الروسية عن القيادي الحوثي "علي قرشة"، إنه لن يتم توقيع أي اتفاقية إلا مع الجانب السعودي باعتباره "طرفا في الحرب, وليس وسيطًا كما جاء في الإعلان الأممي".
وكانت قيادات حوثية قد أعلنت في وقت سابق أن التوقيع على الاتفاق سيكون بداية العام القادم ٢٠٢٤م.

تحديات العملية
وأبرز تلك التحديات التي تواجه عملية السلام تتمثل في موقف واشنطن التي تواصل سياسة التماهي مع الحوثيين فيما يتعلق بالتصعيد الحوثي – الإيراني في البحر الأحمر، التي ترفض الجماعة إيقافه.
ووفقًا لمصادر دبلوماسية، فإن ما تم الإعلان عنه من قبل المبعوث الاممي، عبارة عن مجرد تفاهمات على معالجات إنسانية اقتصادية، تصب في خدمة الحوثيين أكثر منه لصالح اليمنيين الذين يواصلون دفع الثمن لتحقيق رغبات وأهداف ايران، عبر ذراعها في اليمن مليشيات الحوثي.
ومن أبرز تلك التحديات أيضًا، ما تبديه الجماعة الحوثية في الوقت الراهن من رغبة في عدم تقديم أي تنازلت في ظل شعورها بالقوة على خلفية الدعم الأمريكي – الإسرائيلي لها من خلال دفعها لشن ضربات غير مجدية على إسرائيل، ومواصلة استهداف الملاحة وحشد القوات الغربية والإسرائيلية إلى محيط سواحل اليمن.
فالجماعة وفقًا لرؤية الخبراء، غير مستعدة لتقديم تنازلات جوهرية، خاصة فيما يتعلق بالسلاح والعاصمة صنعاء، ما يعني أن الوصول إلى تسوية سياسية في ظل الأوضاع الراهنة مازال صعبًا.

تأخير التوقيع
ويشكل التصعيد الراهن في المنطقة أحد أهم العوامل التي ستسهم في تأخير توقيع الاتفاق أو على الأقل تأخير التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار وما تُعرف بـ"تدابير بناء الثقة"، في ظل مؤشرات تراجع المواقف الامريكية من الحوثيين تحت ضغوط الحملات الانتخابية الرئاسية في واشنطن.
ووفقًا لخبراء ومحللين دوليين وأمريكيين، فإن موافقة واشنطن على مسار السلام لصالح الحوثيين الذين يدعون شن هجمات على إسرائيل ويمارسون تهديدًا على الملاحة الدولية في البحر الاحمر وباب المندب، سيكون له أثر كبير على الراي العام الامريكي الذي يعتبر بلاده الحارس الدولي وعدم ردها وتواطؤها مع ايران واذرعها يشكل اهانة لهذه القوة العالمية التي يفاخر بها على مدى حياته.
في المقابل، تبذل الرياض الشريك الاستراتيجي لواشنطن في المنطقة جهودًا مع مسقط لتجاوز الواقع الراهن، والعمل باتجاه الترتيب للتوقيع على الاتفاق المرتقب مع مستهل العام الجديد الذي نولج إليه على احتمالات عديدة.

تحالف من ورق
وفي حين أعلنت واشنطن عن تشكيل تحالف دولي تحت مسمى "حارس الازدهار" لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر على وقع هجمات ذراع إيران الحوثيين، والذي اعتبر أحد الردود الأمريكية على تلك الهجمات، إلا أنها افشلت من خلال إعلان الحوثيين وايران باستمرارهم شن الهجمات، وتوسيعها لتشمل السواحل الصومالية والمحيط الهندي.
وشكل استمرار الهجمات الحوثية على الملاحة رغم تشكيل التحالف، فضلًا عن إعلان بعض الدول تراجعها عن المشاركة، فإن ذلك يكشف عدم جدية واشنطن في التعامل مع مصادر الخطر ضد الملاحة بجدية من خلال استهداف مصادر النيران، وتقويض مساعي إيران في بسط سيطرتها على باب المندب أحد أهم الممرات المالية بالنسبة للتجارة الدولية.

الحفاظ على المصالح 
وفي هذا الاطار بررت الولايات المتحدة حالة التواطؤ مع الحوثيين وإيران من خلال عدم  الرد على الهجمات التي تطال السفن في البحر الأحمر، فيما ترد على هجمات تنطلق من سورية والعراق، في تناقض واضح بموقفها، بررت تلك التناقضات بانها تهدف للحفاظ على مصالحها في المنطقة، في إشارة إلى الموقف السعودي من السلام مع الحوثيين.
وعلى الرغم من عدم اكتراث واشنطن بحلفائها في المنطقة والذي تجسد من خلال  عدم الرد على هجمات الحوثيين التي طالت السعودية والامارات مطلع العام 2022، فإن الإدارة الأمريكية تسعى لجعل الحوثيين مصدر تهديد جديد على الخليج إلى جانب تهديد إيران وإسرائيل، لتظل مهيمنة على المنطقة من خلال "حلفاء على هيئة أعداء".
كما أن تشكيل التحالف الأمريكي في البحر الأحمر، هدف إلى منع الدول المطلة على البحر الأحمر من أي تحرك لمواجهة تهديدات إيران واذرعها على الملاحة ومصالحها الدولية فيه، وهو ما كانت تخشاه واشنطن وإيران وإسرائيل.
وسعت واشنطن لتقليص أهداف الدول المطلة على البحر الأحمر، حتى لا تفقد الهيمنة على المنطقة، وتفقد معها استمرار الدعم المباشر وغير المباشر لإيران وأذرعها في المنطقة ومنهم الحوثيين، فضلًا عن فقدان إمكانية حضور إسرائيل إلى البحر الأحمر وباب المندب، وهو ما تم فعلًا بالتنسيق مع الحوثيين وإيران.
أخيرًا.. سيبقى السلام في اليمن مرهونًا بالرؤية الأمريكية وسياستها في المنطقة، وعلى رأسها الاعتراف بإسرائيل من قبل دول المنطقة وعلى رأسها السعودية، لذا ستبقى مليشيات الحوثي ومن خلفها إيران تمارس شتى أنواع المراوغة لإطالة أمد الحرب في اليمن وعدد من دول المنطقة، حتى يتم تحقيق أهداف إيران وإسرائيل.