التدين الصحيح .. واعتناق الإنسانية ..!!

10:26 2023/12/26

حماية القيم والحقوق والحريات الإنسانية والدفاع عنها والمحافظة عليها هي من الأمور المسلم بها والمجمع حولها في مختلف الديانات السماوية والأرضية ، فمن غير المعقول أن تجد ديانة ما تعادي القيم والحقوق والحريات الإنسانية وتدعوا إلى انتهاكها والاعتداء عليها ، وذلك لأن الإنسان هو المحور الذي تدور حوله جميع أفكار ومقاصد وغايات كل الديانات ، فدعوتها وخطابها موجه بشكل مباشر للإنسان والإنسان فقط ، وهو ما يجعلها تركز كل أفكارها حول هذا الإنسان ومصالحه وسعادته وهدايته وصلاحه في الدنيا والآخرة ، وحل مشاكله وتنوير عقله ، وإزالة الكثير من التساؤلات التي تراوده حول الكون المحيط به ، كما أنها وضعت الكثير من التشريعات التي تحدد علاقة الإنسان بالآخرين على كل المستويات الفردية والجماعية ، ووضعت الكثير من المحظورات والعقوبات التي تضبط تلك العلاقات وتجعلها أكثر مثالية وإنسانية ، فحماية الإنسان والدفاع عن الإنسان وحقوق الإنسان وحريات الإنسان هي الهدف النهائي لجميع الديانات وبالذات السماوية منها وفي مقدمتها الديانة الإسلامية ، التي جعلت من الرحمة بالإنسانية غايتها وهدفها النهائي ، قال تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) ..!!

وبذلك فإن إعتناق الإنسانية هو الطريق الصحيح لإعتناق التدين الصحيح ، وأي تدين لا يقوم على اعتناق الإنسانية ولا يدافع عن حقوق وحريات الإنسان وكرامته ، هو تدين منقوص وغير كامل ، فحتى العبادات التي فرضها الإسلام للتقرب إلى الله تعالى ، لها أهداف وأبعاد إنسانية عظيمة ، فعبادة الصلاة في الإسلام على سبيل المثال تنهى عن أمور وسلوكيات سلبية عديدة ، قال تعالى (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي )) ، وهذه أفعال سلبية تتعارض مع القيم الإنسانية الإيجابية والمثالية ، وعبادة الصلاة تسعى إلى تقويمها وضبطها ومحاصرتها والقضاء عليها ، ولذلك مردودات إيجابية في بناء علاقات إنسانية راقية بين أفراد المجتمع الإنساني علاقات خالية من الفواحش والمنكرات والبغي والظلم ، التي تعكر صفو الحياة البشرية وتعكر صفو العلاقات بين أفراد المجتمعات الإنسانية ..!!

وبذلك فلا اعتناق صحيح للدين الإسلامي بدون اعتناق عملي وفعلي للقيم الإنسانية المثالية ، فالتدين الصحيح في الإسلام مقترن اقتران مباشر مع اعتناق الإنسانية كقيم ومفاهيم ومعاملات واخلاق ، فلا إسلام صحيح  بدون إنسانية ، وأي دعوات أو أفكار أو اجتهادات بشرية تتعارض مع القيم الإنسانية الفاضلة والإيجابية ليست من الدين الإسلامي ، وأي دعوات تدعوا إلى العنف والكراهية والتعصب والعداوة والتطرف والتشدد والارهاب ليست من الإسلام وإن تم إدخالها إليه عن طريق التفسير أو التأويل أو الاجتهاد ، فدين الرحمة والإنسانية والتسامح لا يمكن أن يدعوا إلى مثل هكذا سلوكيات غير إنسانية تتعارض مع غاياته وأهدافه الإنسانية العظيمة والسامية ، فالدين الذي يجعل غايته وهدفه الرحمة بالإنسانية ، هو بحق الدين الذي يجعل من أهم شروط إيمانه وقبول عباداته وتدينه اعتناق القيم الإنسانية والالتزام بها سلوكا وممارسة وتطبيق على ارض الواقع ، وبذلك فإنه لا مكان للأفكار التي تدعوا إلى التطرف والتشدد والارهاب والتعصب والكراهية في دين الاسلام ، وهي ليست أكثر من اجتهادات وافكار دينية بشرية ، صادرة من أفراد يعانون من اضطرابات نفسية وسلوكية ، لأن الارتباط بين الإسلام والإنسانية ارتباط وثيق ومتين ولا يمكن الفصل بينهما أبدا ، فالإسلام هو المعنى الشامل للإنسانية ، والإنسانية هي التعبير الحرفي والهدف النهائي للإسلام وتشريعاته ..!!