الحرب ليست نزهه ..!!

10:05 2023/12/25

الحرب عمل وحشي وعدواني لا يلجأ إليه الإنسان الإيجابي إلا عند الضرورة القصوى ، كالدفاع عن النفس والمال والعرض ، والحفاظ على الثوابت الدينية ، والذود عن الوطن والهوية والكرامة ، وحماية الضعفاء ورفع الظلم عن المظلومين والمضطهدين ، وعندما تصبح كل سبل الحوار والتفاوض أمامه معدومة ، وعندما يقفل عليه الطرف الآخر كل الخيارات ويجعل خيار الحرب هو الخيار الوحيد المتاح أمامه ، وهذه هي الحرب الدفاعية المقبولة والمباحة في كل الشرائع السماوية والقوانين والأعراف الأرضية ، وما دونها من الحروب هي الحروب العدوانية والسياسية والسلطوية الغاشمة ، التي يقودها وينخرط فيها الإنسان السلبي العدواني ، بهدف الاعتداء على الآخرين ، وفرض هيمنته عليهم واستعبادهم وإذلالهم وسلب ونهب ثرواتهم وممتلكاتهم ومصادرة حقوقهم وحرياتهم وإستعمار أوطانهم وفرض أفكاره وثقافته عليهم ..!!

والحرب فعل مكروه داخل النفس البشرية السوية ، قال تعالى (( كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم )) ، وعلة الكراهية هنا هي تلك النتائج السلبية والكارثية المترتبة على الحرب سواء على الفرد أو المجتمع ، فالحرب ليست نزهه بل معركة تدور رحاها فوق روؤس الأطراف الضالعة في الحرب ، وعادةً ما يدفع الضعفاء والمساكين والابرياء الثمن الباهض خصوصاً في أيامنا هذه ، نتيجة التطور الكبير للأسلحة والحجم التدميري الواسع لها ، ولذلك تبنى الإسلام استراتيجية الحرب الدفاعية ، قال تعالى (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) ، وهذه الآية الكريمة تقطع الشك باليقين بأنه لا مكان للحروب العدوانية في الإسلام تحت أي مسميات كانت ، فلا يمكن أن ينهى الله تعالى عن الحرب العدوانية لتأتي اجتهادات بشرية سلطوية وتبيح ذلك ..!!

وبذلك فإن الاستمرار في حرب ليست مفروضة على الفرد أو المجتمع أو الدولة ، أمر يتناقض مع الشرع والعقل والمنطق ، لأن الاستمرار في هكذا حرب لم يعد ضرورة شرعية ولا وطنية ولا حقوقية ، طالما وهناك خيارات أخرى متاحة ، والاستمرار في هكذا حرب ليس له سوى معنى واحد وهو الرغبة في السيطرة والهيمنة وفرض الرأي الواحد ، والرفض القاطع لتقديم أي تنازلات ، وهكذا تصرف حتماً ستكون نتائجه سلبية وكارثية على الفرد والمجتمع والدولة ، ومن يقرأ التاريخ البشري سوف يصاب بالذهول والصدمة ، من هول التضحيات الجسيمة التي قدمتها البشرية وهي تخوض الكثير من الحروب فيما بينها ، والتي لم تكن ضرورية ، ولم تكن مجبرة على خوض غمارها ، ولم تكن الخيار الوحيد المتاح أمام أطرافها ، والقيادات السياسية والعسكرية هي وحدها التي من تتحمل النتائج الكارثية لتلك الحروب ، التي خاضتها بدافع التكبر وغرور السلطة وحب السيطرة والتملك والتوسع على حساب المجتمعات الأخرى ، أو لإشباع الرغبات والغرائز ، أو الشعور بالقوة الفائضة واستضعاف الطرف الآخر وغيرها ..!!

على العموم الحرب عواقبها وخيمة ومحزنة ومؤلمة ، وآثارها وإفرازاتها قد تستمر لعدة أجيال ، ودائرة الانتقام والكراهية والحقد قد تتوسع وتتشعب إلى مآلات لا يحمد عقباها ، والحرب وقودها الدماء والأرواح والمآسي والأحزان والمعاناة والجراحات والآلام ، وهي من أسوأ الكوارث التي فتكت بالجنس البشري وشوهت علاقاته وقوضت حضاراته ، ورغم ذلك لا زال هناك من يشجع على الحرب داخل الأسرة الواحدة وداخل المجتمع الواحد وبين أبناء الوطن الواحد ، ليس لشيء سوى لتحقيق مصالحه الشخصية وتعصباته المذهبية والطائفية والحزبية وأطماعه السلطوية ، وبسبب هؤلاء كانت ومازالت وستظل البشرية تنزف الكثير من الدماء وتتجرع الكثير من الألام والأحزان والمآسي ..!!