الاستغلال السلبي .. في ظل غياب القيم الأخلاقية والإنسانية ..!!

08:26 2023/12/21

( الإنسان عدوٌ لأخيه الإنسان مهما تنكر له بالود والعرفان ) هذه مقولة متشائمة لأحد علماء النفس عند حديثه عن نوع العلاقات والتفاعلات بين البشر من خلال بحوثه وقراءاته حول النفس البشرية ، ورغم أن النزعة العدوانية وحب السيطرة والتملك والاستحواذ عند البشر هي المهيمنة على الكثير من علاقاتهم وتفاعلاتهم في كل زمان ومكان ، إلا أن نزعة الخير والقناعة والرضا والتعايش السلمي موجودة في حياة البشر وإن كانت بشكل محدود ، والنادر فعلاً هو أن تجد سلطات حاكمة وقوى نفوذ وهيمنة عندها نزعة إنسانية وأخلاقية ولا تقوم بممارسة الإستغلال السلبي للأفراد والمجتمعات والشعوب القابعة تحت سلطانها ونفوذها ، والاستغلال السلبي للأسف الشديد يظل السمة البارزة في علاقات البشر بعضهم ببعض على كل المستويات وفي كل المجالات ، بل إن الثقافة السائدة عند الكثير من البشر تقوم على كيفية استغلال الطرف الآخر في كل العلاقات الاقتصادية والتجارية والخدمية والتفاعلات الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية . من أجل ذلك تم وضع القوانين التي تحدد طبيعة العلاقات والتفاعلات بين البشر ، بهدف ضبطها وحمايتها من الاستغلال السلبي ..!!

كما أن الأديان السماوية قد جاءت بالكثير من القيم والأخلاقيات والتشريعات التي تحارب الاستغلال السلبي في علاقات البشر بعضهم ببعض ، والتي تحمي الإنسان من الاستغلال سواء الفردي أو المجتمعي أو السلطوي ، وتحافظ على حقوقه وحرياته من الانتهاك والاعتداء والمصادرة والعبث بها بأي شكل من الاشكال وتحت أي اعذار أو مبررات ، وكان لكل ذلك دور في الحد من الاستغلال السلبي في حياة المجتمعات البشرية على المستوى الفردي والمجتمعي ، لكنها وقفت عاجزة عن الحد من الاستغلال السياسي والسلطوي للأفراد والشعوب ، كون السلطات الحاكمة في كل زمان ومكان هي من تضع القوانين والتشريعات التي تمنحها الحق في استغلال شعوبها تحت عناوين ومسميات ومبررات متعددة ، لتمارس ذلك الاستغلال السلبي بصورة رسمية ومشروعة ، بل إن من يعارض أو يرفض ذلك الاستغلال يتعرض للعقاب . وللأسف الشديد الكثير من البشر إلا من رحم الله لا يترددون في استغلال الآخرين في كل معاملاتهم وتفاعلاتهم بل لقد وصل الحال بالكثير منهم إلى اعتبار ذلك شطارة وذكاء ، نعم لقد أصبح استغلال الآخرين بالغش والخداع واللف والدوران واستغلال ظروفهم وأحوالهم ذكاء وشطارة وفهلوه عند بعض ضعاف النفوس ..!!

ولقد أصبحت السلطات السياسية الحاكمة التي تستغل أفراد شعوبها وتنهب ممتلكاتهم وأموالهم وما في جيوبهم وتصادر حقوقهم وحرياتهم وتوردهم المهالك سلطات محنكة وعبقرية ، ولا يخفى على أحد الحالات الكثيرة للاستغلال السلبي على كل المستويات وفي كل المجالات ، وما تلك المنتجات الصناعية والتجارية الرديئة والفاسدة إلا نموذج لذلك الاستغلال الاقتصادي والتجاري السلبي ، وما عدم اكتراث السلطات الحاكمة بمعاناة شعوبها وأوضاعهم المأساوية والكارثية إلا نموذج لذلك الاستغلال السياسي والسلطوي السلبي ، وما تلك القضايا الجنائية والمدنية والقانونية والإدارية والعائلية التي تملأ المحاكم والنيابات إلا نموذج لذلك الاستغلال الاجتماعي السلبي ، وكل ذلك هو النتيجة الطبيعية لغياب القيم الأخلاقية والإنسانية في علاقات وتفاعلات البشر ، فتفعيل هذه القيم والاخلاق والالتزام بها كفيل بالحد من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان ، وكفيل بصناعة الرضا والقناعة في نفوس البشر ، واحترام حقوق وحريات الآخرين وعدم الاعتداء عليها ، وكفيل بإبعاد النفس عن دائرة الغش والاحتيال في تعاملاتها وأفعالها وأقوالها ، فالعلاقة بين الاستغلال السلبي والقيم الأخلاقية الفاضلة علاقة عكسية ، فكلما اختفت وتلاشت القيم والاخلاق في حياة وتعاملات الناس كلما ظهر الاستغلال السلبي وتعاظم شأنه ، والعكس صحيح ، فالله الله بغرس القيم والأخلاق الفاضلة في نفوس النشئ الصغير ، وفي تعزيزها ودعمها في نفوس الكبار في كل وقت وحين ، فهي السلاح القوي القادر على كبح جماح الاستغلال السلبي ، الذي حول حياة البشر إلى صراع وتنافس مادي بحت ، شعاره الغاية تبرر الوسيلة ..!!