فاجعة رحيل الدكتور النجيب والصديق الوفي .. وداعًا
بأي اللغات أناجيك أيها النجيب، والاخ الحبيب الأقرب إلى شغاف القلب، يا بلسم الجروح وصوت النهر حين تتدفق مياهه حاملة معها صوت الحياة، كنت جبلًا من الأخلاق الكريمة وقمما تلامس السماء واكف تحضن النجوم وتطل على مشهد الأصدقاء لتلقي علينا التلويحة الأخيرة.
نجيب العوج سأظل احمل لك نفس المشاعر من الصداقة والاخوة ما حييت في هذه الدنيا الفانية؛ وستبقى ذلك الأخ والصديق الذي لم يتنكر يوما لوطنه ولا لأصدقائه واحبائه ولا لجغرافيته التي كانت بلا حدود.
كنت استثنائيًا في مشوار حياتك واستثنائيا في رحيلك في طموحاتك وعملك، هادئًا لا تَستفز أحد ولا تنافس على مركز أو مكان، كنتُ أعلم أن الهدوء والتبصر يمشي على قدمين، مبادر ونشيط في كل الميادين، بارع في الإدارة والسياسة والرياضة والمجتمع، ودود وفي لأصدقائه، لم تغيرك الألقاب يومًا ولا الاصطفافات لحظة واحدة.
نجيب منصور العوج لقد حملت بداية وعكتك إلي شيئًا من القلق، وحين تعافيتَ انكسر هذا الحاجز واحتشدت الابتهالات وتدفقت البهجة كما لو أنك ولدتَ من جديد، كيف لا وانت الإنسان الجميل والروح المعطاءة، والقلب النقي، وكما قال جلال الدين الرومي “إن الله لا يحاسب القلب النقي لأنه لن يجد فيه نقطة سوداء”.!
كان نجيب عقلًا راجحا وسيرة ملهمة؛ لم يستطيع تحمل كل هذا الكم من القبح الذي يحيط بنا، وهو ما يدفعنا اليوم لرفع راية الاستسلام والابتهال بالدعاء لروحه الطاهرة في فردوسها الأعلى فالفقد موجع، وما أحوجنا لنجيب جديد يعيد لنا راية الفرح ويمنحنا جزءً من أمل بأن الحياة لا تموت والوطن لا يشيخ.
لقد مزقت الحرب الظالمة الجغرافيا وتوزع الاصدقاء على بقاعها، وباعدت المسافات بيننا، ها هو الموت يكمل مشواره يخطف الأصدقاء الطيبين دون سابق إنذار ويفجعنا كما لو أنه يختبر قدرتنا على التحمل و الصبر والاحتساب. لكنها مشيئة العزيز القدير، سبحانه عز وجل والذي ليس لنا إلا التسليم بقضائه وقدره.
رحمك الله يا صديقي الطيب؛ فإن الوجع والحسرة عليك تكسرنا من بعد غيابك، وسنظل نجلك في رحيلك كما في حياتك، تاركاً بصمتك في كل بقعة عُرفت بها وتركت أثرا طيبا.
عقود طويلة مرت من الأخوَّة والصداقة، لم ننقطع فيها عن التواصل والاتصال أبدًا، ولم تتغير أو تتبدل، كنت دائما ودودًا صدوقًا وفيًا لكل محبيك ممن هم حولك.
عرفتك كبيرا بأخلاقٍ متفردة، وسمات نادرة، عامر بالمحبة، وارف الظلال منذ أن كنت طالبا في روسيا ورئيسا لفرع المؤتمر الشعبي هناك وحتى تخرجك منها وصولا إلى عدد من الحقائب الوزارية والإدارية.
لقد تفرد الفقيد بصفة الرجل المتوازن في أرائه وقناعاته وفي اسلوب طرحه، والرصانة والاتزان والهدوء والخلق الرفيع والتواضع الجم وحب الوطن ومواجهة الظلم وذلك ما اكسبه محبة واحترام الجميع، كما أنه عاش ومات مؤتمرياً وميثاقياً وفيا لمبادئه وقيمه.
لا أشك يوما بأنه حيثما حل فإن اليمن تسكن عقله ووجدانه، عاشقا متيما بإب مفتوناً بصنعاء التي قضى فيها معظم حياته وارتبط بها بوشائج من العشق والولاء لا تنفصل عراها يوما مهما طال البعد عنها، يشعر بالسكينة في عدن، وله علاقات واسعة فيها ومع شبابها، وانشطتهم الرياضية والاجتماعية، كما انه ابن المدينة الجميلة، ومسقط رأسه إب مدينة الجمال، الخضراء، متزوج من أسرة حضرمية، بهذا المزيج ارتبط بكل جغرافية اليمن التي يعشقها.
الأحداث الأخيرة التي جرت في ربوع الوطن انعكست على كثير من الشخصيات الاجتماعية التي لديها هم واسع مثلها مثل أي مواطن بلغت به المعاناة مبلغها في التأثير والتأثر ولعل ما يحدث اليوم من تمزيق لأوصال الوطن ونسيجه كان له ابلغ الأثر في النفس والروح والجسد.
لا يسعني في نهاية هذا المقال إلا أن أعزي نفسي وابنائي الأعزاء محمد واحمد ويوسف ووسام وبناتي الغاليات وكل أفراد الأسرة الكريمة من ال العوج وبامطرف، وكل الاحباء والأصدقاء، عزائي للوطن الذي فقد أحد أهم الشخصيات المناضلة والصبورة والمثابرة، عزائي في هذا الفقد الذي لا يضاهيه أي فقد.
نسأل الله لك الرحمة والمغفرة وأن يعصم قلوبنا جميعا بالصبر انه على كل شيء قدير.