القيادة السياسية في نظام الحكم الإسلامي ..!!

04:30 2023/12/11

نظراً للأهمية الكبيرة للقيادة السياسية في حياة الشعوب والأمم , ودورها الكبير في بناء الحضارات البشرية المتعاقبة , فقد أولت نظرية الحكم الإسلامي هذا الموضوع عنايةً فائقة , وجسده الرسول عليه الصلاة والسلام في حياته فكراً وسلوكاً وممارسة على أرض الواقع , وقد حددت النظرية الإسلامية العديد من الصفات القيادية التي يجب أن يلتزم بها كل من تولى أمر المسلمين في كل زمان ومكان ، وكلها صفات إيجابية ومثالية وإنسانية وحضارية ، ولكن للأسف نادراً ما تلتزم القيادات بهذه الصفات العظيمة ، وفي الغالب تظل هذه الصفات مجرد شعارات نظرية تستخدمها الأنظمة السياسية المحسوبة على الإسلام للمزايدة والمبالغة ومحاولة تحسين صورتها السلبية ، نتيجة ممارستها لكل السلوكيات السياسية والسلطوية الاستبدادية والقمعية في واقعها العملي ، وسوف أحاول في هذا المقال الحديث عن أهم تلك الصفات :-

وفي مقدمتها صفة الرحمة ، قال تعالى :- (( وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين )) ، في هذه الأية الكريمة ، إيضاح من الله تعالى ، بأن من صفات القائد السياسي الناجح الرحمة بجميع البشر ، أياً كان دينهم ، أو لونهم ، أو جنسهم ، وفي كل الظروف والأحوال ، باستثناء المحاربين والمعتدين على ديار الإسلام ، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام نِعم القائد السياسي الرحيم ، الذي جسد الرحمة في كل تصرفاته وسلوكياته بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، فكان بحق القائد السياسي الأكثر رحمة في تاريخ البشرية , والدليل على ذلك قال تعالى (( ولو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك )) , وبذلك فإن أهم صفة من صفات القائد المسلم أن يمتلك قلب رحيم ، يمنعه عن اللجوء لاستخدام القسوة والغلظة والبطش والطغيان ضد المواطنين ، فأين الرحمة في تاريخ القادة السياسيين المسلمين ، الذين ذهبوا بشعوبهم نحو الحروب والصراعات والاقتتال ، من أجل مصالحهم الشخصية أو الحزبية أو السلطوية ، والذين مارسوا ويمارسون ضد كل من يعارضهم أو يرفض سياساتهم أبشع أنواع العنف ، والتعذيب ، والقسوة ، والتعسف , والذين تمتلئ سجونهم ومعتقلاتهم بالألاف من الأبرياء والمظلومين ..!!

والعدل هي ثاني صفة يجب أن يتصف بها القائد المسلم ، قال تعالى :-  (( وأمرت لأعدل بينكم )) .. 
ففي هذه الآية الكريمة أمر واضح من الله تعالى للقائد السياسي المسلم ، بالالتزام بتحقيق العدل الشامل بين جميع المواطنين ، وبين جميع البشر ، بدون أي تحيز ، في جميع الظروف والأحوال ، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام ، نِعم القائد السياسي العادل ، الذي طبق العدل في كل سلوكياته ، وفي كل شئون الحكم والسياسة ، ولم يكتفي بتطبيق العدل بين أتباعه ، بل طبقه مع جميع البشر حتى مع أعدائه ، قال تعالى (( لا يجرمنكم شنآن قومٍ على أن لا تعدلوا )) , وبذلك.يكون العدل مطلوب من القائد المسلم في كل الأحوال والظروف ومع جميع الناس ، فأين العدل في تاريخ القادة المسلمين ، العدل الذي جعله الكثير منهم مجرد شعارات ترفع فقط في المناسبات والاحتفالات والخطابات ، وليمارسوا في الواقع كل صور الظلم والجور والطغيان ، ومصادرة حقوق وحريات المواطنين ، تحت مبررات وأعذار واهية ما جاء بها من سلطان ..!!

وثالث هذه الصفات الشورى ، قال تعالى :- (( وشاورهم في الأمر )) .. في هذه الآية الكريمة ، إيضاح من الله تعالى ، بأن من صفات القائد الناجح ، انتهاج الشورى ، كأفضل وسيلة لإدارة شئون الحكم ، وللتداول السلمي للسلطة ، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام ، نِعم القائد السياسي ، الذي كان يشاور أصحابه ، في كل الأمور الدنيوية ، المتعلقة بشئون الحكم وإدارة الدولة ، والتزم عليه الصلاة والسلام. بذلك التوجيه الرباني حتى بعد موته ، حيث ترك أمر الخليفة من بعده شوروياً ، وتم اختيار الخلفاء الراشدين من بعده بالشورى , والدليل على ذلك بأن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم لم يورثوا السلطة لأبنائهم أو أقاربهم , ليأتي من بعد ذلك نظام الحكم الوراثي القائم على القوة والغلبة والقهر ، ليكون هو السائد بقية التاريخ الإسلامي حتى اليوم ، ولتختفي كل مظاهر الشورى في حياة وممارسات وسلوكيات القادة المسلمين ، الذين جعلوا من الشورى مجرد شعارات للتضليل والاستخفاف بعقول الناس ، وهم في حقيقة الأمر يمارسون أبشع صور الديكتاتورية والاستبداد ، في مخالفة صريحة للشرع الاسلامي ، منكرين بذلك لأهم قاعدة من قواعد نظام الحكم في الإسلام ، وهي قاعدة الشورى ، والتي تتطابق اليوم بشكل كبير جداً ، مع النظام الديمقراطي ..!!

وغيرها كثير من الصفات القيادية الواردة في نظرية الحكم الإسلامي , لا يتسع المجال لشرحها هنا ..  كالأمانة ، والصدق ، والتواضع ، والحُلم ، والوسطية ، والحكمة ، والتحرر من التعصبات الضيقة ، والتحرر من النزعة العنصرية ...الخ , لكن اعتقد جازماً بأن من يمتلك الصفات القيادية الرئيسية وهي الرحمة والعدل والشورى فإنه حتماً يمتلك بقية الصفات القيادية الأخرى ..!!