روسيا تعيد رسم خياراتها في منطقة الشرق الأوسط في مواجهة التطرف الأمريكي والغربي في غزة

يتجه الشرق الأوسط ليكون ضمن الحسابات الدولية والدول الكبرى من جديد، وذلك بعد تزايد التوتر الذي يعيشه العالم بعد احداث 7 أكتوبر، وما خلفه من تشدد غربي وأمريكي في الخروج عن القانون الدولي، وتطرفهم اتجاه دعم اسرائيل وترك يدها حرة في قتل الفلسطنيين وتدمير غزة.

العديد من الدول العربية بدأت تدرك انهيار الوضع السياسي والعسكري للمنطقة، والذي أصبح قابل للإنفجار وهذا الوضع المتشابك ومحاولة أمريكا فرض خيارها الوحيد ،في ابقاء اسرائيل تقوم بدور عسكري غير محسوب ليخلق ماسأة انسانية كبرى في الشرق الأوسط ، كما أن تعطيل امريكا لاي حلول لايقاف الحرب يعني أن المنطقة العربية قابلة للانفجار الكبير.

الحرب في غزة لن تقتصر على حدود فلسطين فقط ، صفقة القرن حدودها الجغرافية والسياسية والعسكرية تمتد في المنطقة العربية من بيت المقدس إلى باب المندب ثم البحر الأحمر باليمن. 

عملية طوفان الأقصى ربما عجلت بإنكشاف المخطط، أما فاتورة هذا المخطط فهو كبير على الغرب ودولة الكيان الصهيوني و امريكا هذه الدول تسببت بهذه حرب  ، كذريعة لنشر  قواتها العسكرية وسفنها الحربية والمدمرات وحاملات الطائرات في البحر الأحمر والبحر المتوسط والخليج العربي.

تقوم أمريكا بالتحضير لحرب أكبر ستكون سببا في انعدام الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط وكذلك فإن الأمن والإستقرار العالمي سيكون على حافة الهاوية حيث أن الولايات المتحدة لم تكتفي بتعطيلها كل خيارات الحل ، وايقاف الحرب في غزة بل قامت  امريكا بتسليم إسرائيل 200 طائرة حربية أمريكية وحوالي 10 الف طن من الاسلحة حسب ما نقلته قناة الجزيرة الإخبارية.

زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإستراتيجية إلى السعودية والإمارات ، تأتي في محاولة فهم واسعة لنطاق التطرف الإمريكي والغربي ومخاطره ، العرب يدركون أن روسيا تملك رؤية وخيارات سياسية وعسكرية واقتصادية، فروسيا متخوفة للواقع الجديد ومخططات الغرب لفرض وجود مختلف ،يعزز بها وجوده لفرض معادلة تهدد واقع المنطقة وتدخلها في صراع لا حدود له.

اهمية المنطقة العربية للتجارة العالمية وخصوصاً اهمية باب المندب والبحر الأحمر والبحر المتوسط ، فقد وصفت صحيفة بلومبيرغ الأمريكية الزيارة الروسية للسعودية بالزيارة الهامة بعد الانتشار العسكري الاميركي والغربي ، بوتين عند وصوله الي السعودية والمنطقة رافقته اربع طائرات عسكرية من طراز سو 35 ،  الرئيس بوتين لا يثق في امريكا والغرب حسب ماذكرت الصحيفة الامريكية، بوتين وبعد اشتعال الحرب بين روسيا واوكرانيا لم يسافر خارج روسيا لأسباب أمنية طوال الاعوام التي تلت التدخل الروسي في أوكرونيا. 

ذكرت صحيفة بلومبيرغ ان السعودية والإمارات لم تلتزم بالعقوبات المفروضة على روسيا من قبل امريكا بعد حرب أوكرانيا ، كما ذكرت الصحيفة ان بوتين اتى لمنطقة الشرق الأوسط من اجل مناقشة اسعار الطاقة العالمية والغاز ، والصراع في الشرق الأوسط وما يحدث في غزة ، كما ناقش بوتين مع السعودية رئاسة روسيا لمجموعة دول " بريكس" الذين ينوون عمل عملة موازية للدولار الأمريكي.

هناك توافقاً روسي وعربي خليجي اتجاه سياسات الغرب وتدخلاته الخطيرة في منطقة الشرق الأوسط ، هناك قلق مشترك من التزايد الغرببي العسكري في مناطق وخطوط التجارة العالمية ، هذا الانتشار ليس من اجل حرب غزة ، لان غزة تم تدميرها ، وليس الهدف غزة وحماية اسرائيل ، بل أن هناك محاولة لفرض الوجود الغربي في منطقة الشرق الأوسط لتعطيل واقع العالم ومحاولة مواجهة روسيا والصين واغلاق منطقة الشرق الأوسط عن أي تحالف يهدد تزايد الرفض للسياسات الامريكية والغربية.

هناك قلق وتخوف روسي خليجي من احتلال الغرب المباشر للطريق التجارة العالمية ، كما ذكرت وكالة سكاي نيوز ، بان هناك مساعي أمريكية لإنشاء قوة دولية خاصة مكونة من 40 دولة بقيادة امريكا والغرب لحماية البحر الأحمر ومضيق باب المندب ، وهذا جاء بعد هجمات ايران وأذرعها في البحر ألأحمر وخطف السفن التجارية العالمية تحت مبرر ايقاف حرب غزة ، مثل هذه الأنشطة الفوضوية من قبل أذرع ايران سيؤثر على مصر والسعودية واليمن وارتيريا والسودان ،ودول اخرى مطلة على البحر الأحمر وحلفاء لروسيا.

روسيا تفهم كثيرا وهي دولة عظمى وتعرف المخطط من وراء هذا التواجد الغربي ،لذلك يساور روسيا تخوفات واحتمالات كبيرة ومتوقعة ،وهي تتخوف على مصالحها الاستراتيجية من قيام امريكا من هذا الانتشار ، كما ان روسيا تريد ان تقوض من هذا الدور الامريكي في منطقة التجارة العالمية ، في البحر الاحمر ، وتعمل على الالتفاف على امريكا بالتنسيق مع السعودية والإمارات ومصر ، في المقابل فإن رفع اسعار النفط سيصب في مصلحة روسيا التي تعاني من ازمه اقتصادية بسبب حرب اوكرانيا، خطوات متقدمة لدول عربية كمصر والسعودية وذلك من خلال التنسيق مع روسيا بعد انهيار الثقة بإمريكا وذلك مع انحيازها الكامل للكيان الصهيوني في الحرب الجارية في غزة. 

توضح مجلة بلومبيرغ الأمريكية سببا أخر لزيارة بوتين حيث يريد زيادة التبادل التجاري بين روسيا والسعودية بالاضافة إلى تقويض الدور الاميركي في المنطقة ، فقد اتفقت السعودية وروسيا لإنشاء شركة اسمدة مشتركة بين السعودية وروسيا من البتروكيماويات السعودية ، ويبدوا ان القلق العربي يتزايد من الانتشار الغربي العسكري في المنطقة وان هناك ضرورة لمجابهة ذلك الانتشار الأمريكي في الشرق الأوسط وبالتنسق مع روسيا.

 *رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.

  11 ديسمبر 2023.