الحقيقة الغائبة .. في حياة المجتمعات والأنظمة السياسية العربية ..!!
بدون شك بأن الحقيقة في أحيان كثيرة قد تكون مؤلمة وصادمة ، ولكن مواجهتها ومعرفتها أفضل بكثير جدا من التهرب منها أو تأجيل وترحيل مواجهتها ، والعديد من المواقف والاحداث التاريخية تذهب إلى أن الكثير من العرب أفراد أو مجتمعات أو أنظمة يهربون دائماً من مواجهة الحقيقة ، حقيقة حالهم وأوضاعهم وسلبياتهم وأخبارهم وانتكاساتهم وفشلهم وتأخرهم وجهلهم وتعصبهم وهزائمهم ، ودائماً ما يذهبون خلف الأوهام والأحلام والخيالات والانتصارات الزائفة والانجازات الكاذبة والبطولات المزعومة ، ومن الطبيعي أن يأخذ البعض مواقف ممن يصارحونهم بالحقيقة ، لكن من غير الطبيعي والمنطقي أن يأخذ البعض مواقف عدائية ممن يصارحونهم بالحقيقة ، وأن ينظروا إليهم على أنهم أعداء وعملاء وخونة ومتآمربن ، وهكذا رد فعل سلبي هو انعكاس لحالة هستيرية نتيجة خوف أو توتر أو تأزم أو ضغط نفسي ، لأنه من غير المقبول ومن غير المعقول أن يصبح ناقل الحقيقة وموصلها عدو في الوضع الطبيعي وفي الحالة النفسية السليمة والسوية والمتزنة ..!!
بينما يرى الكثير من العرب أفراد وجماعات وأنظمة سياسية ، في من يصنع الزيف والخداع والأوهام في عقولهم صديق وصادق ومخلص ، فهم دائماً يبحثون عن أي أعذار أو أسباب تبعدهم عن مواجهة حقيقة حالهم وفشلهم وعجزهم ، من أجل ذلك ترى حال الكثير من العرب على كل المستويات الفردية والجماعية والرسمية كل يوم إلى الأسوأ ، كل يوم في تراجع وفشل وعجز أكثر ، فالزيف والتضليل والخداع هي التجارة الرائجة والرابحة فيما بينهم ، فكلما كان الفرد أو النظام السياسي متمكناً في صناعة المزيد من الأوهام ، ولديه الخبرة الكبيرة في ابتكار المزيد من الطرق التي تروج للتضليل والتزيبف الإعلامي ، واستغفال العقول واستغباءها والضحك عليها ، كلما كانت حظوظه أوفر في الربح والظهور وكسب المزيد من المواقف والمزيد من المؤيدين ، لماذا كل ذلك ليس لشيئ إلا لأنه لا يواجه تلك العقول بحقيقة وضعها المزري وفشلها المتواصل وسوء حالها وعجزها الدائم وتخلفها المتراكم وجهلها المستفحل ، وحقيقة الفارق الزمني والعلمي والتكنولوجي الكبير الذي يفصلها عن بقية الشعوب والأمم ..!!
وهكذا وضع لا يبشر بخير ولا يعطي أي مؤشرات إيجابية لإنطلاق العديد من المجتمعات والأنظمة العربية نحو مستقبل أفضل ، طالما وليس هناك استعداد عند الأفراد والأنظمة العربية بالاعتراف بالحقيقة ومواجهة تداعياتها ونتائجها ، مهما كانت مؤلمة وكيفما كانت قاسية وصادمة ، لوضع الحلول والمعالجات المناسبة في وقت مبكر لتجاوز آثارها ومخرجاتها ، وطالما والكثير منهم يفضل التضليل والتزييف والخداع ، والقفز فوق الحقائق وصناعة البطولات الفارغة والانتصارات المزعومة ، وطالما ولدى الكثير من الأفراد والمجتمعات والأنظمة العربية القابلية باعتبار الانتكاسات والانكسارات والفشل والتخلف انجازات وانتصارات وبطولات ، وطالما وهم يعتبرون الهروب من مواجهة حقيقة عجزهم وفشلهم ذكاء وعبقرية ، فعلى هذه المجتمعات والأنظمة أن تكون على استعداد لمواجهة الأسوأ في حياتها في كل المجالات ، وبدون شك بأن من يهرب من مواجهة تداعيات الحقيقة اليوم سوف يجد نفسه عاجز عن مواجهة المزيد من تداعياتها غداً ، فكل تأخير عن مواجهة الحقيقة يزيدها تعقيد وصعوبة ، وهذا هو حال الكثير من العرب على كل المستويات الفردية والجماعية والرسمية ، نتيجة هروبهم المتواصل عن مواجهة حقيقة أحوالهم وأوضاعهم السلبية ، وهذا من أهم أسباب تأخرهم عن بقية الشعوب والحضارات ، التي تواجه حقيقة أوضاعها وأحوالها بكل روح وثابة وبكل إصرار وتحدي ، حتى تمكنت من تصحيح كل السلبيات والصعوبات التي تعترض طريقها نحو التطور والتقدم والمستقبل الأفضل ..!!