ما بعد غزة .. دولة فلسطينية وعالم جديد

04:06 2023/12/08

في ضوء التحولات الدولية الحالية وفشل النظام الدولي في تطبيق قوانين وقيم التوازن المجمع عليها من قبل المجتمع الدولي ووصوله إلى حالة فراغ _ نظام وقانون دولي_ وتحوله لعالم تحكمه الفوضى وقوى الهيمنة والتسلط والاستكبار عبثاََ بحياة البشرية،

وسط هذا الضجيج والعبث لتلك القوى، تمثّل حرب غزة مخاض ميلاد عالم جديد تنهزم فيه إسرائيل هزيمة ساحقة لينتهي معها وهم المشروع الصهيوني وتصبح فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة في إطار عالم مختلف عما كان عليه قبل 7 أكتوبر ..

وذلك على ضوء معطيات واقع العمليات الميدانية والمعادلة  القائمة على أرض المعركة  وهي (دمار البنى التحتية لغزة وقتل المدنيين مقابل هزيمة ساحقة لجيش الإحتلال وقتل الكثير منهم وتدمير آلياته على يد أبطال المقاومة وانخراط معظم الفلسطينين في صفوف المقاومة المسلحة على إثر الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين منهم والمضي في كسر العدو بميدان المعركة وإجباره على الانسحاب والتفاوض، وفق شروط المقاومة.

إن إيمان المقاومة والشعب الفلسطيني بقضيتهما العادلة وادراكهما القطعي بعدم جدوى الرهان على العرب والمسلمين والمجتمع الدولي في تحرير أرضهم، وتخليصهم من الاحتلال الصهيوني الغاصب بات أمرًا محسومًا بالنسبة لهم، وعليهم ان يقرروا مصيرهم بأنفسهم، إما الاستسلام والقبول بالذل والهوان والتنكيل المستمر، إبادتهم بصورة تدريجية والتخلص منهم، وهذا خيار لا يقبله المنطق والعقل البشري والنزعة الإنسانية المجبولة على الحرية والكرامة والإباء والسيادة المطلقة لكافة الحقوق المشروعة لذا فهذا خيار مستبعد ولن يكون ..

فكان الخيار الآخر هو القرار (إما الحرية أو الموت) فاختار الجميع المقاومة المسلحة جسرًا للعبور إلى الحرية والاستقلال بعقيدة إيمانية راسخة تفرض وجوب الدفاع عن الدين والمقدسات والأرض والعرض والكرامة والشرف وانتزاع السيادة المطلقة لكافة الحقوق المشروعة دون تردد او تسويف، فكان 7 أكتوبر بمثابة ساعة الصفر لبدء السباق مع الزمن لنيل الحرية، واستعادة الحقوق المسلوبة بالقوة أو الموت في سبيل ذلك. ونيل شرف الفداء والبطولة والعزة والكرامة وترك باب الكفاح والنضال مفتوحًا للأجيال حتى تحرير فلسطين واستعادة شرف الأمة وكرامتها وصون مقدساتها ..

ومن هذا المنطلق الإيماني وثقافة الكفاح والنضال، تولّدت الإرادة وجعلت الروح القتالية والمعنوية تعج وبأعلى مستوياتها  وسط أبطال المقاومة والشعب الفلسطيني عامة إلى درجة مذهلة تتجلى في طبيعة تكتيكات المواجهة الصفرية في قتال العدو، وتحقيق الأهداف، وتكبيد العدو خسائر فادحة في الجند والعتاد دون خسائر تُذكر في صفوف المقاومة. فيما يخرج المدنيين من تحت الركام ينفضون الغبار ويلملمون شهدائهم وجرحاهم برباطة جأش وصلابة استثنائية، معلنين تأيدهم الكامل، ومشيدين بفعل ودور فصائل المقاومة الفلسطينية وضرباتها الموجعة لقوات الإحتلال الصهيوني، مباركين لهم عملياتهم في تحرير وطنهم وأرضهم من الغزاة المحتلين..

بالمقابل، تسيطر حالة من الإرباك والخلافات الحادة بين أوساط قادة الإحتلال، وتباين وجهات النظر في طبيعة وطريقة التعامل مع الأحداث الجارية سياسيًا وعسكريًا.. كما تخيم الروح الانهزامية وحالة الذعر والخوف في نفوس عناصر قوات الإحتلال والمستوطنين على حد سواء، تتجلى تلك الصورة في بقاء عناصر قوات الاحتلال داخل العربات والدبابات وعدم الخروج منها أثناء محاولة عملية التقدم والتوغل داخل مناطق غزة، أو التمركز فيها، أو الانسحاب أحيان أخرى تحت وطاة وكمائن ضربات أبطال المقاومة..

 وكذلك ردود أفعال المستوطنين في الداخل الإسرائيلي المتمثلة بالاحتجاجات المعبرة عن الاستياء من مآلات الأحداث ومصير الرهائن والقتلي الإسرائيلين من الجنود والمستوطنين ومغادرة الكثير منهم الأراضي المحتلة عائدين إلى بلدانهم التي أتوا منها هربًا من الموت ..

كما أن الموقف الدولي الداعم دون هوادة للعدو الصهيوني الغاصب، مؤشر انهزام وافلاس سياسي وأخلاقي في ظاهرة غير مسبوقة، مجردة من كل القيم الأخلاقية والإنسانية بلغ حد القبح والوقاحة والعنصرية، فيه لنسف لكافة القوانين والأعراف والمواثيق الدولية المفترض العمل بها للحفاظ على العلاقات الدولية والإنسانية والسلم الدولي، وكشف بما لا يدع مجالًا للشك فشل المنظومة الدولية وانهيارها أمام غطرسة قوى الهيمنة والإرهاب الدولي (الصهيو أمريكي غربي) وإحلال الفوضى والإرهاب محلها بهدف تدمير الشعوب وإحتلالها، وهو وهم لن يتحقق لقوى الاستكبار بل مؤشر انهزام لها وبداية مرحلة تحرر في المنطقة يكون على رأسها تحرر الشعب الفلسطيني، وإقامة دولته على كامل أرضه، وتشكل عالم جديد لن تكون فيه أمريكا رقمًا منفردًا بالسبادة عليه.. 

إن التمادي الغربي لنسف القوانين والموثيق الدولية سينعكس سلبًا عليه وسيدفع للنهوض بحركة تحرر بين أوساط شعوب المنطقة والعالم للخلاص من الحكومات الغربية وسياساتها العنصرية العدوانية ضد الشعوب العربية والإسلامية والإنسانية عمومآ، وهذا ما تحمله مؤشرات الاحتجاجات والمظاهرات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني في أنحاء العالم، بعد ان كشف الستار على حقيقة زيف المغالطات والكذب الممنهج للإعلام الغربي في تظليل الرأي العام بمعلومات مفبركة وكاذبة حول حقيقة التعامل الإنساني لأبطال المقاومة الفلسطينيه مع المستوطنين الرهائن بشهادة المستوطنين أنفسهم.. 

بالمقابل، بدت حقيقة الإجرام الوحشي للكيان الصهيوني واضحة للرأي العام الدولي كحرب إجرامية اكثر فاشية ونازية من الحرب العالمية الثانية، في حربه الإجرامية الظالمة على غزة، وما خلفته من دمار شامل للأرض والإنسان، وإبادة جماعية للأطفال والنساء والشيوخ بدعم لا محدود من قبل الأمريكان ومعظم الحكومات الغربية في نسف صارخ للقانون الدولي وحقوق الإنسان، مهددين بذلك السلم الدولي لكل شعوب العالم.