Image

في ظل ترتيبات لإعلان اتفاق سلام مبدئي برعاية أممية.. غموض يكتنف بنود خريطة السعودية للسلام في اليمن

شهدت الأيام القليلة الماضية تحركات مكثفة للوسطاء الدوليين والإقليميين من أجل التسريع في التوصل إلى اتفاق مبدئي في اطار خريطة سلام سعودية للأزمة اليمنية.
وذكرت مصادر مطلعة، بأن مهمة المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، قاربت على استكمال الترتيبات النهائية لتوقيع اتفاق خريطة الرياض وآليتها التنفيذية التي يكتنفها الغموض فيما يتعلق ببنودها الخلافية، وكيفية تجاوزها وما هي المقترحات البديلة عنها؟
وأشارت إلى أن المهمة الحقيقية للسلام في اليمن مازالت محفوفة بتعقيدات لم يكشف عنها، وانه ما زال يكتنفها الغموض، رغم الوصول إلى مرحلة الترتيبات النهائي لإعلانها قبل بداية العام 2024م.

تسريبات وشائعات
وشهدت الفترة القليلة الماضية، العديد من التسريبات لبنود قيل أنها طُرحت على الأطراف اليمنية من قِبل الوسطاء الإقليميين، وعلى رأسهم السعوديين والعمانيين، بمباركة المبعوثين الأممي والأمريكي لليمن.
لكن هذه التسريبات تبدو في معظمها ضمن مهام تهيئة الأجواء أو تقسيط الأمل، أو بالأصح جس نبض الشارع اليمني، في ظل وصول هذا الشارع لمرحلة فقد فيها بصيص أمل في تسوية قريبة متوقعة وحاسمة، في ظل اعتياده على مثل هذا التوتر السياسي والإعلامي الذي يرافق جهود المبعوث الأممي وقبله الوسطاء الآخرون في كل مرحلة، لكنها في النهاية تنتهي بخيبة أمل، يبدأ الأطراف عقبها في تبادل الاتهامات إزاء المسؤول عن عرقلة الوصول إلى اتفاق.

مساعي سعودية مكثفة
إلا أنه يمكن القول إن المسار الراهن تقف خلفه الرياض بكل ثقلها، وهي التي تريد طي صفحة الحرب في اليمن، وتجاوز مأزقها هناك، من خلال تحقيق تسوية وفق خريطة طريق وضعتها هي. ويبدو أن ثمة توافقاً على كثير من تفاصيلها، وبخاصة المرتبطة بالمرحلة الأولى من الخريطة.
ففي هذا الاطار عقد وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، لقاءً بالمبعوث الاممي في 30 نوفمبر كان بمثابة خطوة متقدمة للأمام، لاسيما أنه أعقبها تصريحات للحوثيين يطالبون فيه الرياض ببدء تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بخصوص «إجراءات بناء الثقة» وهنا لا بد أن نسأل: كيف يتم البدء في التنفيذ دون توقيع الاتفاق؟. 

وهو سؤال يذهب بقراءة ما يجري بعيداً، لكن على الرغم من ذلك نقول إن الطرفين لم يُظهرا إيجابية في التعامل مع ما يتم الترتيب له أكثر من هذه المرة، لكن ما زال الغموض سيد الموقف والواضح ان الشعب اليمني و كثير من القوى السياسة اليمنية ضد هذا المسار بكل اتجاهاته.

زيارة الرياض 
واختتم المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ، زيارته امس للعاصمة السعودية الرياض، التقى خلالها الجانب الحكومي بالنسبة للشرعية، وكذا السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، تم فيها مناقشة تقرير قدمه المبعوث بشأن اتصالاته الأخيرة المنسقة مع الرياض وسلطنة عُمان والمجتمع الدولي لاستئناف عملية يمنية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة.
وفق ما طرحته المصادر الرسمية، فهذا يعني أن المبعوث وضع أمام العليمي ما انتهت إليه جهود الوساطة، بما فيها مسودة الاتفاق والآلية التنفيذية، وتعديلات الحوثيين الأخيرة على مسودة الاتفاق، وعلى ما يبدو أن الجانب الحكومي وافق عليها.

زيارة عمان وصنعاء
ومن المتوقع أن يزور المبعوث الأممي سلطنة عُمان أو صنعاء خلال الأيام المقبلة للقاء جانب الحوثيين وإطلاعهم على الصيغة النهائية لمسودة الاتفاق والآلية التنفيذية، ليتسنى إعداد برنامج التوقيع عليهما، لكن يبقى هذا احتمال لأن الغموض ما زال يكتنف كثيراً من قراءات مسار الوساطة.
علاوة على ذلك، تأتي جهود المبعوث الأممي في سياق السعي الحثيث بهدف تحقيق تسوية يمنية قريبة قبل تفاقم الوضع الإقليمي جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، واستمرار تنفيذ الحوثيين هجمات ضد أهداف إسرائيلية، حيث تدفع السعودية بكل ثقلها لمنع أي رد عسكري أمريكي – أسرائيلي – بريطاني على تلك الهجمات بقصف مواقع ومناطق الحوثيين، حتى لا تفشل خطتها للسلام التي تعد مخرجا لها من المستنقع اليمني.

دعم أمريكي للحوثيين
تأتي هذه الجهود، بالتزامن مع إعلان الخارجية الأمريكية أن المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، سيواصل هذا الأسبوع "الدبلوماسية الدعم الأمريكية المكثف والتنسيق الإقليمي للدفع نحو تحقيق سلام يضمن بقاء الحوثيين حلفائهم في اليمن، من اجل ضمان حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وفق ما حمله البيان الأمريكي، الذي يرى أن هذه الهجمات تهدد ما يقرب من عامين من جهود إنهاء الحرب في اليمن.
وقال البيان: إن "المبعوث الأمريكي يعمل مع الأمم المتحدة والرياض وأبوظبي ومسقط والشركاء الدوليين الآخرين لدعم حل الصراع في اليمن في أقرب وقت ممكن وتخفيف المعاناة التي سببها الصراع".
وأضاف: إن "لقاءات المبعوث الأمريكي تستهدف مناقشة «الخطوات اللازمة لتأمين وقف دائم لإطلاق النار وإطلاق حوار سياسي يمني- يمني شامل بقيادة الأمم المتحدة، مع مواصلة الجهود لتخفيف الأزمات الاقتصادية والإنسانية».

تجاذبات سياسية
في السياق، تشهد مناطق نفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها، تجاذبات سياسية من خلال ما تبذله مكونات سياسية من جهود لضمان مواقع متقدمة في طاولة مفاوضات التسوية، والتي تم الاعلان عنها خلال الفترة الماضية بما فيها مكونات حضرموت والمهرة وشبوة وبقية المكونات المنخرطة في اطار ما يُسمى بمجلس القيادة الرئاسي.
يؤكد مراقبون أن الحكومة باتت موافقة على مسودة اتفاق خريطة السلام وكذا الآلية التنفيذية، وعلى ما يبدو أن جميع المكونات المنضوية تحت لواء الحكومة تلتزم ذات الموقف، تحت ضغط من الرياض، بما فيها المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال.
يرى متابعون أن مسار التفاوض مهما أبدت الأطراف من موافقة ما زال ملغوماً بعدد من القضايا التي تشكل خلافاً جوهرياً، فهل تم ترحيل هذه القضايا لمراحل لاحقة؟ من أجل تثبيت الواقع الراهن؟ سؤال مفتوح على احتمالات عديدة.


تلميحات المبعوث 
يأتي ذلك، متزامنا مع تلميحات اطلقها المبعوث الأممي لليمن "غروندبرغ"، في بيان له عقب زيارته للرياض، أشار فيها الى "التقدم المحرز نحو اتفاق أطراف النزاع في اليمن على إجراءات من شأنها تحسين الظروف المعيشية لليمنيين، ووقف مستدام لإطلاق النار يشمل عموم البلاد، واستئناف عملية سياسية يمنية-يمنية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة".
ووفق البيان أشار غروندبرغ، إلى ضرورة "استمرار الدعم الإقليمي المتضافر لليمن في تقدمه نحو تحقيق سلام مستدام ومستقبل يلبي تطلعات جميع اليمنيين واليمنيات".

راسمي الخريطة
وفي ذات السياق، نافش الجانبان السعودي والايراني رسم خريطة السلام في اليمن، في اتصال هاتفي اجراه وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، مع رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، ناقشا خلاله عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، ومنها السلام في اليمن.
يأتي ذلك في تأكد السياسي اليمني ووزير الخارجية الأسبق أبو بكر القربي، إن "السعودية استكملت تفاهماتها مع جماعة الحوثي وسلمت تلك التفاهمات للمبعوث الأممي لوضع الآلية التنفيذية لها".
وقال القربي على منصة “إكس”: إن “لقاءات المبعوث الأممي في سلطنة عُمان وحرصه على إنهاء ملف الأسرى واستعجال ذهابه إلى الرياض تشير إلى أن السعودية استكملت تفاهماتها مع صنعاء”.
وكان غروندبرغ قد اختتم، الأربعاء، زيارة إلى سلطنة عمان، عقد خلالها مباحثات حول دفع عملية السلام باليمن، شملت مسؤولين عمانيين، وكبير مفاوضي جماعة الحوثي محمد عبد السلام.
وبحسب وكالة الاناضول، فقد أعلنت جماعة الحوثي، أنها قطعت مع السعودية شوطًا مهمًا في طريق السلام.

يشار إلى أن المباحثات غير المباشرة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي تسير بخطوات حثيثة، وذلك نتيجة جهود يبذلها المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن.

ضغوط لوجستية 
وتزامنت تلك الجهود النهائية، مع ضغوط لوجستية لجهود السلام مارستها منظمات تابعة للأمم المتحدة من خلال إعلانها عن ارقام واحصائيات حول الكارثة الغذائية وانعدام الأمن الغذائي التي تشهدها اليمن وسوف يتفاقم مستقبلًا.
وذكر برنامج الغذاء العالمي (WFP) في تقرير أصدره الأربعاء: "رغم تحسن الأمن الغذائي بشكل طفيف خلال شهر أكتوبر 2023م، مقارنة بالشهر السابق (سبتمبر)، وبنفس الشهر من العام الماضي 2022م، إلا أن انعدام الأمن الغذائي لا يزال منتشراً على نطاق واسع في جميع أنحاء اليمن".
وأضاف التقرير: أن "المسح الذي أجراه البرنامج، أظهر أن نحو 51% من الأسر في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دولياً (IRG)، و46% في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين (SBA)، لم تتمكن من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية خلال شهر أكتوبر 2023م.
وأوضحت النتائج أن الأُسر التي أبلغت عن عدم كفاية استهلاك الغذاء، تجاوزت نسبة 40%، أي عتبة "مرتفعة جدا"، وذلك في 17 من أصل 22 محافظة يمنية، كانت أعلاها في البيضاء بنسبة 73%، تليها لحج بنسبة 66%، ثم الجوف بنسبة 63%، والضالع بنسبة 62%.

حشد ودعم خليجي
وفي هذا الاطار، قامت السعودية خلال الفترة الماضية بعملية حشد واسعة للقوى الخليجية في اطار مجلس التعاون الخليجي، بشأن دعم خطتها فيما يتعلق باليمن.
وذكرت تقارير إخبارية، بأن سعي السعودية لتحسين العلاقة مع قطر تصب في هذا الاتجاه، والذي نتج عن اجتماعات بين الجانبين صدور بيان يؤكد دعم البلدين الكامل للجهود الأممية والإقليمية للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية.
جاء ذلك، في بيان مشترك في ختام الاجتماع السابع لمجلس التنسيق القطري السعودي برئاسة أمير قطر تميم بن حمد، وولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان، حسب وكالة الأنباء القطرية (قنا).
وثمّن البيان "الجهود الأممية في تعزيز الالتزام بالهدنة، وأكدا على أهمية انخراط جميع الأطراف المعنية بإيجابية مع الجهود الدولية والأممية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية والتعاطي بجدية مع مبادرات وجهود السلام، وفقاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216)".
وأشادت قطر بجهود المملكة ومبادراتها العديدة الرامية لتشجيع الحوار والوفاق بين الأطراف اليمنية، ودورها في تقديم وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية لكل مناطق اليمن، وما تقدمه المملكة من دعم مالي لمعالجة الأوضاع المالية الصعبة التي تواجه الحكومة اليمنية، والمشاريع التنموية التي يقدمها البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن.
الأمر ذاته، عبّر عنه بيان مجلس التعاون الخليجي الأخير الذي أكد بأن جميع قادة دول مجلس التعاون الخليجي يرحبون باستمرار ما وصفوها ب "الجهود المخلصة" التي تبذلها السعودية وعمان لإحياء العملية السياسية في اليمن.
وأكد القادة الخليجيون في ختام قمتهم التي انعقدت الثلاثاء الماضي في الدوحة، على ضرورة وقف إطلاق النار، وأهمية انخراط الحوثيين بإيجابية مع الجهود الدولية والأممية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية والتعاطي بجدية مع مبادرات وجهود السلام.
وجدد المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي في بيان على دعمه لجهود الأمم المتحدة التي يقودها مبعوثها الخاص إلى اليمن هانز جروندبرج، وجهود المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندر كينغ، للتوصل إلى حل سياسي وفقاً للمرجعيات الثلاث.