ذكرى إنتفاضة ديسمبر واستشهاد القائد الجمعي

02:57 2023/12/01

بعد تسليم الزعيم الشهيد الرئيس علي عبدالله صالح للسلطة سلمياً في العام ٢٠١٢م عبر انتخابات رئاسية، كان هنالك تخوف محلي وإقليمي ودولي من تأثير الرجل على الداخل اليمني، كان الجميع يُدرك بأن تسليم صالح للسلطة لا يعني تخلي الجماهير اليمنية عنه، وبأن حلقة الوصل بينه وبين الشارع اليمني ستظل مفقودة لدى هادي، الرجل الضعيف المتآمر على نفسه وعلى بلده، فكان لا بد من تغييب الرجل عن المشهد اليمني تماماً ونفيه من اليمن، وهذا ما رفضه صالح عبر وسطاء كُثر الذين قدموا له عروض عديدة من قبل دول عربية إقليمه ودولية، قوبلت جميع هذه العروض بالرفض، وأصر على البقاء في وطنه بين شعبه ومحبيه، وفي حقيقة الأمر لم يكن خيار بقاء الزعيم صالح في اليمن خيار شخصي فقط بقدر ما كان خيار ملايين اليمنيين الذين كانوا ينظرون له بأنه المخلص والمنقذ لحالة الصراع القائم داخل البلد، وهو ما تؤكده المظاهرات الحاشدة التي كانت تخرج بالملايين في عموم محافظات وميادين الجمهورية اليمنية

كان الشهيد علي عبدالله صالح يُمثل القائد الجمعي لليمنيين بكل فئاتهم، القائد الذي يُحرك الشارع اليمني ويخرجهم كالموج في الميادين، القائد الذي يملك الحل والربط، وبيديه مفاتيح العُقد لكل مشاكل اليمن، وبالتالي فإن بقائه كان يُمثل خطراً حقيقياً وجاداً لبعض الأنظمة الإقليمية والدولية وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية التي سارعت لإعلان "عاصفة الحزم" للقضاء على الزعيم صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام وقياداته الوطنية الشريفة، لضمان بقاء اليمن في صراع دائم، يمن مفتت ومجزأ بلا هوية أو قرار، وبقاء الشعب اليمني تائه بلا قائد جمعي يستند عليه

إن نجاح انتفاضة الثاني من ديسمبر بالقضاء على ميليشيا وأدوات إيران في اليمن كان سيجنب اليمن والمنطقة الكثير من المشاكل، وستُساهم بشكل رئيسي في تخفيف التوتر وعودة الاستقرار للمنطقة العربية، وهذا مالم ترغب به الأطراف الإقليمية والدولية المتحكمة بالقرار، فتآمروا على تصفية الزعيم علي عبدالله صالح، فيما دفعت دول أخرى أموالاً طائلة في مقابل القضاء على صالح ومشروعه الوطني و القومي  وإفساح المجال للحوثي لابتلاع اليمن ومن خلفه إيران، لتكشف الأحداث تباعاً بأن الحرب أتت ناقمة على صالح كمشروع وطني حر ومساندة لإيران، ليبقى الشارع اليمني بلا محرك ولا قائد، ودون حالة غليان الذي من شأنه كان سيُلعن وفاة مشروع الحوثي واندثار أبواقه.

وللعلم لم يكن السبب الرئيسي من تصفية القائد الجمعي هو إخماد الشارع اليمني فحسب، بل كان هُنالكَ سبب رئيسي وأهم وهو امتلاك الشهيد صالح للكثير من الأوراق السياسية والاجتماعية والدبلوماسية التي تمكنه من إنهاء الحرب وتجنيب اليمن مزيد من التفتت، وامتلاكه أيضاً الكثير من الأوراق التي تفضح قادة دول أُخرى انخرطت في التآمر على شعوب المنطقة العربية والإسلامية، وهذا الأمر كان واضحاً وجلياً في الصمت ومباركة عملية اغتيال وتصفية علي عبدالله صالح بذلك الأسلوب المُرتب والمُعد له سلفاً

تتعدد السرديات التي تداولتها بعض الجهات التابعة لأطراف خارجية فيما يخص المؤامرة التي رافقت انتفاضة الثاني من ديسمبر من خلال تواصلها مع بعض الأطراف المحلية والإقليمية، وهي سرديات تتعارض وتتضارب مع حقيقة ما حدث على أرض المعركة، المعركة الغير متكافئة من حيث العدد والعُدة والتجهيز والتحشيد والتنسيق الحاصل ما بين ميليشيا الحوثي وأجهزة المخابرات الإقليمية والدولية، ومقدار التعارض في السرديات التي تسوقها هذه الجهات من خلال الإعلام المساند لها الذي صور عملية تصفية صالح بأنها عملية حوثية بحته لم يكن للأطراف الخارجية أي صلة بها، وهي سردية تتعدى التدليس في الخطاب السياسي والإعلامي المُتعاطي لهذه القضية، ليبلغ درجة التزييف والتضليل المتعمدين، ورغم ذلك وإزاء غياب السرد المتجانس البديل، فإنه لابد من الإقرار بأن الشهيد صالح كان ضحية لمخطط خارجي وداخلي وإن بدت الصورة غير ذلك

ثم ماذا ؟! 
ماذا سيقول المجلس الرئاسي في ذكرى استشهاد الزعيم والأمين؟ هل سيُعاقب نفسه على ما اقترفه من جُرم بحق القضية اليمنية؟ هل سيبلغون صالح في ذكرى استشهاده بأنهم عجزوا عن استعادة اليمن، أم سيكذبون عليه بأن الأرض اليمنية باتت ضيقة لا تتسع لعلمين وشعبين ودولتين؟

يفتح التحالف يديه على شكل سؤال قائلاً الأيام الحالية أيام سلام واستقرار، والأيام المقبلة تشبهها وأدهى، إذ لا يمكن محو طرف بعينة من الوجود لحساب أطراف أخرى، لا المنطقة تستطيع تحمل أعباء استمرار الحرب في اليمن ولا العالم يقبل، كأن عملية تصفية الزعيم صالح أدخلت بعض دول الإقليم في نفق ما صعب الخروج منه، كأن القصة من أولها كانت قصة قتل الرجل بسبب الرهان على شطب الآخر وإنكار الحقائق التي رافقت الأحداث المُتسلسلة بعد انتفاضة الثاني من ديسمبر، لذا تعرف الأطراف الخارجية أن ما اقدموا عليه من حماقة ضرب اليمن ومخطط تصفية صالح أدخلهم في نفق مظلم لن يخرجوا منه إلا بتجرع سُم استعادة الدولة اليمنية الموحدة.

تعددت نماذج الاغتيالات في اليمن منذُ قيام ثورة السادس والعشرون من سبتمبر المجيد، وبدأ هذا النوع من الجرائم السياسية حين شعرت بعض الأنظمة الملكية بأن نجاح ثورة سبتمبر وقيام الجمهورية العربية اليمنية سيفتح المجال أمام اليمن الشمالي لإعادة بناء مجتمعه ودولته وكيانه الخاص به، وزاد الأمر سوءاً حين أعلن الراحل الشهيد صالح قيام دولة الوحدة اليمنية المُباركة، لذلك بدأ مسلسل الاغتيالات والتصفية للكثير من رموز الوطن وقادة الثورة، وأخطر هذه الاغتيالات وأبشعها هو اغتيال رئيس الجمهورية اليمنية السابق علي عبدالله صالح على أيدي جماعة مأجورة ومتطرفة، ولذلك صنف أكاديميون وسياسيون بأن اخطر نماذج الاغتيالات السياسية هي النماذج ذات الطابع الديني المُتطرف الذي يطمح للسيطرة على أدوات التغيير السياسي المطلوب من خلاله الاستجابة الموضوعية للمناخ النفسي والسياسي والإيديولوجي في مجتمعاتها المتخيلة، حيث تنطلق من بوابة السياسة نحو تعميق المتناقضات الاقتصادية والاجتماعية، واللعب بالمفردات والمصطلحات التي من شأنها أن تحول الخيانة إلى بطولة، والقتل خارج القانون إلى تنفيذ لشرع الله، مع التأكيد على وجود حالات تزييف للوعي، ولذلك فإن الجماعات الدينية المُتطرفة تلجأ إلى أساليب تمنع الفرد حقه في تشكيل جوهر حياته ومستقبله ومصيرة، ويحمل التاريخ صوراً كثيرة لتأثير حالة استمرارا النهج الديني المُسيس باعتباره ارتقاء نحو التآمر لوضع مشاريع متكاملة ذات صورة دينية متطرفة مُستقطبة بذلك رموزاً تلعب أدواراً مشبوهة دون إدراك منها لفظاعة ما تقوم به

وفي الذكرى السادسة لاستشهاد الزعيم علي عبدالله صالح في الرابع من ديسمبر من العام ٢٠١٧م ندعوا دول التحالف العربي بقيادة السعودية إلى مراجعة سياساتهم الخارجية خاصة فيما يتعلق بالشأن اليمني، خاصة وأن المنطقة تمر اليوم في ظرف صعب جداً على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومازال أمامهم فرصة حقيقية لتصحيح أخطائهم والتكفير عنها، كما أننا نجدد دعوتنا ومناشدتنا للمجتمع الدولي إلى سرعة رفع العقوبات الظالمة عن الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح ونجله السفير القائد أحمد علي عبدالله صالح، الذي وقع ضحية كيد سياسي يعرف الجميع أسبابه وحيثياته والأطراف التي تقف خلف هذا القرار الجبان وخلف الإصرار على استمرار العقوبات رغم المناشدات والمطالبات الشعبية برفعها.