الاستغلال السلبي للدين .. خلال التاريخ البشري ..!!
الاستغلال السلبي للدين ليس بالجديد بل قديم قِدم التاريخ البشري ، كما أنه ليس محصور على أتباع ديانة محددة ، فالدين كان ولا يزال وسيظل أفضل تجارة رائجة عند تجار الأديان من أتباع الديانات ، بل إن الديانات الوثنية وما أكثرها قد قام الكهنة عبر االعصور بصناعة أفكارها وطقوسها لتكريس كل ما له علاقة بالخرافات والأساطير والعبودية والجهل والتخلف والغفلة في حياة الأتباع ، وحرمانهم من التفكر والتدبر وتفعيل العقل ، ولتحقيق أكبر قدر من الأهداف والمكاسب الدنيوية سواء كانت سياسية أو أقتصادية أو اجتماعية ، بعكس حال الديانات السماوية التي أنزلها الله تعالى لتخليص البشر من الانحطاط والسلبية والبهائمية ، والإرتقاء بهم نحو السمو والايجابية والإنسانية في كل مجالات الحياة ، كما أنها جاءت حاملةً في طياتها كل دعوات الخير والسعادة لكل بني الانسان ، وفي المقدمة تخليصهم من قيود العبودية والاضطهاد والتعسف الديني الأرضي ، وتحرير عقولهم من الجهل والتخلف والخرافات والاساطير التي نسجتها الأفكار الدينية الوثنية والكهنوتية البشرية ..!!
ورغم كل ذلك إلا أن الديانات السماوية لم تسلم من الاستغلال السلبي ، ولم تسلم من تدخل كهنة الديانات الأرضية في شئونها وفي تفسير آياتها ونصوصها، بما يتماشى مع خرافاتهم وأساطيرهم ومصالحهم ، ولم تسلم من التدخل المباشر والسلبي للسلطات الحاكمة في تطبيق احكامها وتشريعاتها وفق مصالحها وأطماعها ونزواتها ، وللأسف الشديد نتج عن ذلك ديانات وشرائع سماوية محرفة ومبدلة ، تخدم السلطات الكهنوتية ( الكهنة والحكام ) . وحتى الدين الاسلامي رغم حفظ الله تعالى للقرآن الكريم من التبديل والتحريف ، إلا أن الكهنة والحكام والزنادقة في كل عصر لم ييأسوا وحاولوا استغلاله استغلالاً سلبياً من خلال التفسيرات والتأويلات المختلفة والمتعددة والمتباينة لآياته وتشريعاته ، حتى وصل الحال بالبعض منهم إلى القول بأن للقرآن الكريم تفسير ظاهر وباطن ، ليصبح التفسير الباطن مدخلاً للي أعناق نصوص وآيات القرآن الكريم بعيداً عن معانيها اللغوية والتشريعية الواضحة وضوح الشمس ، والبعض الآخر جعلوا من الاحاديث النبوية التي لم يتم تدوينها وحفظها وكتابتها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ، ميداناً وساحةً ومدخلاً لتحقيق مصالحهم ومآربهم السلطوية والكهنوتية ، فألفوا الكثير من الأحاديث التي تمجد الخرافات والأساطير والإسرائيليات وتجعلها جزء من معتقداتهم ، ونسبوها كذباً وزوراً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ..!!
والشاهد من ذلك ....
أن السلطات الكهنوتية عبر التاريخ البشري لم تألوا جهداً في استغلال الديانات السماوية استغلالا سلبياً، بما يتوافق مع مصالحها وسياساتها واطماعها الدنيوية ، ولم تتورع يوماً عن المتاجرة بالدين ، والتلبس بالدين ، والتطاول على الدين ، وتحريف الدين ، والتحدث بإسم الدين ، واستعباد الناس واذلالهم واستغلالهم بإسم الدين ، ورغم كل ذلك كانت وما تزال وستظل تشريعات الله تعالى واضحة لمن يمتلك شيء ولو يسير من العقل والفكر والمنطق . فكل ما يدعوا إلى الفضيلة والايجابية هو من الدين ، وكل ما يدعوا إلى الخير والتراحم والتعايش السلمي بين البشر هو من الدين، وكل ما يدعوا إلى تحرير البشر من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد هو من الدين ، وكل ما ينادي إلى تكريم الانسان والحفاظ على حقوقه وحرياته هو من الدين ، وكل ما يدعوا إلى العدالة والمساواة وينهى عن الظلم والاستبداد هو من الدين ، وكل ما يتناقض مع ذلك ليس من الدين ، وإن تم إدخاله في الدين عن طريق التفسير آو التأويل أو الاجتهاد ، وبذلك فإن أي دعوات في أي زمان ومكان ومن أي طرف كان تسعى إلى تسخير الدين لمصلحة سلطة معينة أو جماعة محددة ، فهي ليست أكثر من تجسيد للاستغلال السلبي للدين في أبشع صورة ، فلم ولن يكون الإسلام يوماً ديناً خاصاً بفئة أو جماعة بل هو دين من أهم سماته وخصائصة ( العالمية ) ، وكل المحاولات لاستغلاله وخصخصته واحتكاره من أي طرف كان وفي أي زمان كان ، دائماً وأبداً تبوء بالفشل والخسران المبين ..!!