صراع الحضارات .. وحوار الحضارات ..!!

09:54 2023/11/27

مصطلحان لغويان يحملان في طياتهما كل صور التناقض والتعارض في السياسات والأفكار والوسائل والأساليب والأليات ، فبينما يحمل المصطلح الأول ( صراع الحضارات ) كل معاني الشر والسلبية والعدوان والتوحش والإرهاب والعنف والقسوة والطغيان والبطش والقوة والقهر والغلبة والعبودية والاستعمار ، فإن المصطلح الثاني ( حوار الحضارات ) يحمل كل معاني الخير والإيجابية والسلام والإنسانية والتراحم والتعاون والتعارف والحرية والشراكة والقبول بالآخر والاعتراف بالآخر ، وكل ذلك هو التجسيد الحقيقي لقوله تعالى (( وما أرسلناك الا رحمة للعالمين )) ، وكل مصطلح تدور حوله أفكار ونظريات وأبحاث ودراسات ويلتف حوله مؤيدين ومعارضين ، فهناك العديد من النظريات والدراسات التي تذهب بالعالم نحو الصراع والصدام الحضاري ، والتي تنظر إلى الحياة على أنها حلبة للمصارعة والمنافسة السلبية بين الحضارات البشرية ، والبقاء فيها للأقوى ولا مكان فيها للضعفاء والمتخلفين ، ويلتف حول هذه الأفكار والنظريات العديد من المفكرين والمؤيدين حول العالم ، الذين يحملون في داخلهم نزعة الشر والعدوان والكراهية والتكبر والغرور وحب الاستحواذ والسيطرة والحقد والرفض للآخر والعنصرية والتعصب ، والذين يعتقدون بأن القوة والعنف والاستبداد هي الوسائل القادرة على فرض معتقداتهم وأفكارهم وايديولوجياتهم على الآخرين ..!! 

وهناك العديد من النظريات والدراسات التي تذهب بالعالم نحو الحوار والتقارب والتعاون والتعارف الحضاري ، والتي تنظر إلى الحياة على أنها مكان مناسب لبناء جسور التعاون والتعارف بين الحضارات البشرية ، وأن هذا الكوكب يتسع للجميع وفيه الموارد والخيرات التي تكفي الجميع ، وأنه بالحوار يمكن بناء جسور المحبة والتعايش والتعاون بين جميع المجتمعات البشرية ، ويلتف حول هذه النظريات والأفكار الكثير من المفكرين والمؤيدين حول العالم ، الذين يحملون في داخلهم نزعة الخير والتسامح والرحمة والإنسانية والتواضع والقناعة ، والمتحررين من كل صور التعصبات والعنصريات البغيضة التي تفرق بين الإنسان وأخيه الإنسان ، والذين يؤمنون بأن الحوار والحكمة والموعظة الحسنة والحجة والقدوة الإيجابية هي الوسائل المفضلة لنشر معتقداتهم وأفكارهم وايديولوجياتهم في كل مكان في العالم ، لأن دعاة الأفكار والنظريات والعقائد الأفضل ليسوا بحاجة للقوة والعنف والبطش والعدوان والإكراه لنشرها وجعل الناس يتبعونها ويؤمنون بها ويعتنقونها ، ومن يحتاج تلك الوسائل العنيفة هم دعاة الأفكار والنظريات والعقائد الباطلة والفاسدة والسلبية لإجبار الناس وإكراههم على إتباعها وإعتناقها ..!! 

كل ذلك يجعل من هذين المصطلحين وكل ما يدور حولهما من أفكار ونظريات ومفكرين ومؤيدين يقفون في جانبين متناقضين ومتباعدين ، فالصراع نقيض الحوار ، والحرب نقيض السلام ، والشر نقيض الخير ، والإجبار والإكراه نقيض حرية الاختيار ، والكراهية والعدوان نقيض التعاون والتعارف الإيجابي ، والتفوق العرقي والعنصري نقيض التواضع والإنسانية ، من أجل ذلك كم هي المجتمعات البشرية اليوم في أمس الحاجة إلى تبني ودعم مصطلح ( حوار الحضارات ) وكل النظريات والأفكار والسياسات والأنظمة والقوى والأحزاب والجماعات التي تشجع على الحوار والتقارب والتعاون والتعارف والتعايش السلمي بين البشر ، ورفض ومعارضة مصطلح ( صراع الحضارات ) وكل النظريات والأفكار والسياسات والأنظمة والقوى والأحزاب والجماعات التي تدعوا إلى الحروب والصراعات والكراهية بين البشر ، فماذا جنت المجتمعات البشرية خلال تاريخها الطويل من الصراع والصدام الحضاري والديني والفكري إلا الحسرة والندامة والخراب والدمار والفساد في الأرض ، وارتكاب الكثير الكثير من الفظائع والمجازر والجرائم والانتهاكات في حق بعضهم البعض ، نعم لن نبالغ إذا قلنا بأن المجتمعات البشرية في مس الحاجة اليوم لرفع شعار الحوار والتسامح والتقارب والتعاون والتعايش السلمي ، قبل فوات الأوان وقبل أن يجد البشر أنفسهم وهم يسقطون في هاوية الصراع والصدام الحضاري الذي لن يبقي ولن يذر ، والذي سيعيد مسيرتهم وحضارتهم لا سمح الله إلى نقطة الصفر ..!!