حلول بعيدة في اليمن وسلام قد يؤدي لحرب جديدة
هناك اتفاق في الرياض سيحدث خلال أيام، لكن المحاولات في إحداث إيقاف للحرب في اليمن واجهتها الكثير من الإشكاليات، المرتبطة بتعقيدات الواقع السياسي والاقتصادي دون الوصول لحلول متوازنة لكل تراكمات الحرب وما خلفته من انعكاسات ، طبيعة ذلك الاتفاق هو ما تتردد بقوة خاصة بعد أن تم استدعاء أعضاء المجلس الرئاسي الي مدينة الرياض في المملكة السعودية ،وظل الكثير ينظر أن خيار السلام صار قريب ،وأن الوصول لحلول أولوية قد تفتح المجال لحلول دائمة قد يحدث خلال أيام.
لكن بعد مرور وقت على مثل هذه التكهنات ،التي ربما حدثت نقاشات ودارت حالة من الجدل ،حول طبيعة الحل بين اطراف مازالت لديها حالة من الاختلاف العميق، ولكن مع تأخر الحل بعد أن أعاقت جماعة الحوثيين الوصول لاتفاق يضمن وقف الحرب وتوصل لهدنة طويلة، و بدا أن السلام في اليمن مازال بعيداً ولن تتشكل الظروف السياسية بعد لأطراف الحرب للدخول لحوار ينهي كل اشكال الحرب.
الحوثيون لديهم تصورات قديمة وعلى وجه الخصوص خيارهم المركزي، في حصولهم على كل شيء وافقاد خصومهم أي تأثير، وظلوا يعملون جاهدين في التعنت في إبقاء ضغطهم واجندتهم التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار، وأن أي حلول مستقبلية لابد أن تخضع لظروف ما ترغب به هذه الجماعة ،حيث تشعر جماعة الحوثي أن ظروف أي اتفاق لابد أن تخضع لشروطها هي ،ومالم ترضى عن أي محادثات واتفاقات فإنها ليست معنية بالحل وليست متسرعة بالسلام في الوقت القريب.
من الصعب أن يكون هناك حل جذري في اليمن ،فما تشكل خلال سنوات من الحرب في اليمن ،وواقع سلطة كل طرف ولدت نوع من محاولة إبقاء الوضع على ما هو عليه ، سواء من خلال تأسس سلطات وحالة النفوذ لأطراف يمنية ذات نفوذ خارجي ،وهذا لن يسهل عملية اندماج كل الأطراف في سلام دائم ،الحرب ولدت حالة من التقاسم للبنية البشرية والمادية والجغرافية وهناك ثقافة تدمير للبنية اليمنية وهذا يخلق نوع من التفكك وتعمق أي حوار وأي اتفاق .
لا يريد الحوثيين اتفاق يعيد اليمن لوضعها الطبيعي والمؤسسي، وهم يريدون إعادة الأمور إلى ما قبل 2014 قبل اجتياحهم صنعاء ،يجد الحوثيين أن الضغط في هذا المسار سيجعلهم يشعرون أنهم استطاعوا انتزاع العديد من الأوراق ،ومن ناحية أخرى فإن رفض الحوثيين للحلول سيجعل الوضع أقرب إلى ترسيخ وجود واقع انفصال في البنية اليمنية السياسية والجغرافية والاقتصادي، فالحوثيين لن يتمكنوا من احداث أي واقع جديد وهم مقتنعون بالانفصال وترسيخ حدود سياسية جديدة تقتطع جزء من تعز ومعظم المديريات في مأرب والكثير من مساحة الحديدة .
في الطرف الأخر المجلس الرئاسي والتحالف فإن واقع ونشاط المجلس الرئاسي لا يبدو فعالاً ، فليس هناك أي نجاح قد تحقق سواء في إعادة بناء الدولة أو بناء واقع الجيش المقسم، ومازالت الاختلافات والتناقضات الداخلية والخارجية تجعل هناك ضعف وغياب لأي استرايجية ، أو وجود أي خطط فعالة لإحداث تغيرات تكون أسس لتوحيد الجيش واحداث تغير في داخل الواقع السياسي المنقسم والمفكك، حيث صار واقع المجلس الرئاسي يعاني من ظروف داخلية لإنه لم يعد يمتلك القرار ولم يعد قادر لتجاوز الصراعات العميقة داخل بنيته السياسية وكذلك التغير الداخلي وعدم وجود استقلال سيادي وسياسي للمجلس وخضوعه لرغبات الإقليم .
الحلول السياسية في اليمن تبدو صعبة ،فكل المحاولات للوصول لاتفاق تصطدم بما تضعه جماعة الحوثي من اشتراطات ومحاولات ،لرفض الوصول لعوامل مشتركة من الالتزامات والأفكار والتصورات قد تنهي الحرب، وتستمر جماعة الحوثي في إيجاد العديد من السياسيات التي تفرغ الحلول لتبدو الحلول اصعب ،ولم تكتفي جماعة الحوثي بصياغة أفكار وحلول معقدة بقدر ما تبدو اشتراطات الحوثي، هو امعان منها في استمرارها في اغلاق كل المبادرات والخيارات لإنهاء الحرب والدخول في حوار فعال ومباشر للوصول لمقاربات طبيعية ومتساوية لخلق بيئة مناسبة للحل.
هدف جماعة الحوثي من كل هذا التعقيد وسياسة الافشال ،هو في اضعاف واقع الحل الحقيقي، هي لا تريد حل واقعي بل تريد حل شكلي، تتحكم به في كل الظروف السياسية ، كذلك لا تريد جماعة الحوثي النظر لواقع اليمنيين مع استمرار الحرب بقدر ما أصبحت تريد تحقيق مصالح شخصية ضيقة وغير وطنية، تصب كلها لصالح وجودها وشرعنة لواقعها وحربها وممارسة سياسات غير عادلة، قد لا تكون مثل هذه الاشتراطات أسس لاي حل على المدى الطويل.
*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.
25 نوفمبر 2023.