استمرار العقوبات الظالمة تدمير للحل السياسي اليمني واعتراف بسلطة المليشيات.
يعمل المجتمع الدولي والعديد من الأطراف الاقليمية والمحلية على خلق العديد من التعقيدات أمام السفير أحمد علي عبد الله صالح في المرحلة السياسية الحالية، وذلك مع استمرار العقوبات الدولية المفروضة عليه ،والتي عقدت أي تحرك أو نشاط لنجل الرئيس السابق ،الذي مازل يرزح لظروف سياسية ودولية شديدة التعقيد ، واقامة جبرية منعته من أي مشاركة سياسية ،أو الترتيب للظروف المستقبلية ، وبناء التحالفات الوطنية لإنقاذ اليمن.
اطراف وقوى سياسية متشبعة باتخاذ خيارات عدائية وذلك مع محاولاتها تغيب أحمد علي ، هذه الأطراف تتحرك في أكثر من مستوى، و تسعى من وراء ذلك، لفرض نوع من القيود الواسعة والدائمة عليه ، و تجديد العقوبات كل عام دون إجراء تقييم حقيقي وبناء ،خاصة وأن استمرار هذه العقوبات هو مؤشر على عملية الاستهداف المنظم لأحمد علي ولحزب المؤتمر الشعبي العام ،لما له من استقلالية متوازنة ورؤية وطنية ثابتة .
خلال الفترات الماضية ظل أحمد علي على موقفه حيال الواقع السياسي اليمني ،والتزم بمبادئ وطنية جعلته مستقلًا في قراره وموقفه السياسي والشخصي ،دون أن يختار أي اطراف اقليمية ضد واقع بلده ،ورغم أن العديد من الشخصيات والأحزاب اليمنية لجأت لتكون جزءًا من المشروع الخارجي، وتأطرت بهذه المشاريع الفوضوية وأختارت اضعاف القرار الوطني الداخلي ،لصالح المشاريع الخارجية لتفرض وجودها ،وتعزز شراكة الفساد والمحاصصة داخل المؤسسات ،وهذا وضع اليمن في أزمات غيابه الاستقلالي السياسي والمؤسسي .
ان شرعية وقانونية إجراء هذه العقوبات، التي مازالت تُمارَس فقط ضد أحمد علي تبدو مختلة وغير متوازنة ،لها هدف ضرب للقوى الفعالة والمتوازنة، التي يمكن أن تجد حلًا جذريًا لمشكلة الحرب الدائرة في اليمن من خلال معالجات واتفاقات داخلية، والأخطر أن استمرار العقوبات على أحمد علي هو مؤشر على دور أممي واقليمي سيّئ ، يشرع للمليشيات والاطراف المتسببة في زيادة معاناة اليمنيين الداخلية بالاستمرار في تمزيق وتفتيت اليمن وضياع موارده وثرواته ، بينما يتم وضع نجل صالح ضمن أولوياته في زيادة اضعاف دوره ونشاطه السياسي للضغط عليه وفرض سياسة سيئة ، ولا تخدم الاستقرار في اليمن على المدى البعيد.
جمود المساعى الدولية والإقليمية هي في مستوى التطرف تجاه أحمد علي، فالقوى الدولية تربط الظروف بمسببات غير حقيقية ،فالواقع السياسي في اليمن قد تغير، ولم يعد لنجل صالح أي دور رئيسي في الأحداث وظروفها، وليس هو من يتحكم بالمشهد أو بيده خيوط السلطة ، والتأثير في الجانب السياسي والعسكري .
التعقيدات المختلفة التي تشهدها اليمن حاليا هو ناتج عن سياسات مليشيات وقوى موجودة ولها سلطة فعلية ، مازالت تمارس أبشع سياسات الانتهاك والتجاوز والفساد ضد اليمنيين ، ورغم ما تقوم هذه القوى والمليشيات مازال المجتمع الدولي والدول الإقليمية، يعززان من نشاط كياناتها وتغض الطرف عن تجاوزاتها، وتعمل على منع المساس بها رغم فداحة ما تقوم به على مسار الوضع السياسي والاقتصادي والحقوقي في اليمن وعلى مستقبل الإقليم.
تتكالب العديد من الأطراف على واقع وجود أحمد علي و تمنع أي تحرك لاخراجه من الإجراءات والسياسات الظالمة بحقه ، وهناك خوف واسع من وجوده على مصالح هذه القوى ،لكن يظل أحمد علي شخصية وطنية رفض منذ البداية الخضوع للعديد من المشاريع الفوضوية والتفكيكية الخارجية ،وظل يرفض أن يكون خيارًا لاطراف دولية وإقليمية ودول لها دور سلبي في الواقع اليمني ، والتزم أحمد صالح بإستقلاله الشخصي والسياسي والعسكري ومتمسك بمبدأ السياسي الوطني والقائد العسكري الشجاع.
بل ظل ملتزم بخياراته ومبادئه دون أي تغيير ،ورغم كل طرق اضعاف دوره وتقييد نشاطه، إلا أن أحمد التزم في الكثير من الاحيان الصمت واختار عدم الخوض في كل التفاصيل والتباينات، وسعى للابتعاد عن الصراعات الهامشية الضيقة ، كما أنه حاول أن يعكس قدرته في فهم ظروف وابعاد ما تمر به اليمن ،فهو خلق لنفسه موقفا سياسيا ثابتا وهذا ما يدركه اليمنيين في الوقت الحالي، بعد أن اكتشفوا كذب واستغلال جميع الاطراف السياسية لهم وفسادها وعبثها بمصالح البلد، وهذه الاطراف هي من تتخذ خيار عدائي انعزالي ضد أحمد علي.
خلال الظروف التي شهدتها اليمن مابعد 2011 ظل أحمد علي مستقل وله رؤية متوازنة في العديد من الجوانب والمجالات السياسية والإقتصادية والعسكرية، ولم يكن طرفا في الصراع، ولم يلعب أي دور سلبي في تجاوز مصالح اليمن ، بل أنه استجاب للمطالب في ابعاده عن المنصب العسكري في قيادة الحرس الجمهوري، بناء على رغبة دولية واقليمية، ووفق ما نصت عليه المبادرة الخليجية، لكن مع استمرار العقوبات عليه فإن المخطط الثابت ،هو استهداف لوجوده وواقعه السياسي الوطني بناء على مشاريع خارجية تعمل على تعزيز نفوذ الاطراف الداخلية بتمويل خارجي لضرب واقع اليمن ووحدته واستقلاله.
الاجراء الأخير للجنة العقوبات المنبثقة عن مجلس الأمن، في تبنيها لاستمرار وضع العقوبات على أحمد علي ،تحاول عرقلة الحل السياسي الشامل في اليمن، مع أن المشكلة في انهيار الوضع السياسي ودخول اليمن في هذه الحرب ،كان سببه تجاهل الوضع اليمني والانسياق وراء مطالب تصطدم مع مفهوم الدولة ،وهذه المشاريع الفوضوية بدعم دولي واقليمي هي من خلخلت بنية الدولة والمؤسسات ،وساهم تدخل الدول في الشأن اليمني في اضعاف واقع الدولة وسيطرة المليشيات وتحكمها بمصير اليمنيين ومستقبلهم .
المخطط الرئيسي في استهداف أحمد علي هو اضعاف القوى الوطنية ،التي ترفض العبث والفوضى في سياق الدعم الخارجي، كما أن استمرار تعقيد وضع أحمد علي له انعكاس على الحل السياسي على المدى الطويل ، حيث أن الصراع الذي يحدث في اليمن هو صراع مصالح داخلية وخارجية، وطالما كان هناك أطراف وقوى ترفض وضع نفسها في خدمة مشاريع الخارج، و لمثل هذا الخيار انعكاساته ونتائجه، لكن تكمن خطورة عدم رفع العقوبات على أحمد علي ،أن مثل هذه السياسة ستعمل على اعاقة توحيد المؤتمر الشعبي العام وستجعل العديد من القوى تلعب دورًا سيئا سواء على نطاق الداخل والخارج .
فالحرب في الحقيقة ضد المؤتمر الشعبي العام ومنع اعادة وجوده للحياة السياسية، وضرب وجوده السياسي وتقاسم نفوذه وتأريخه ،يرتبط أساسًا بمشروع لتفكيك القوى الوطنية واستبدالها بقوى وشخصيات خاضعة للخارج، هذه الاطراف المنتجة وفق المشاريع الإقليمية تسير وفق سياسات تصفية القوى والشخصيات الوطنية ،وما منع أحمد علي من اعادة نشاطه في الحياة السياسية إلا جزء من مشروع مستمر في تنفيذ مخططات العبث بالمبادئ الوطنية ،وفرض أجندة لا تقبل إلا بوجود المليشيات والعابثين بحياة اليمنيين ومستقبلهم.
*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.
17 نوفمبر 2023.