الصراع العربي الإسرائيلي .. وتأثيراته السلبية على مسيرة الدول العربية التقدمية والحضارية ..!!

09:56 2023/10/25

لكم أن تتخيلوا معي بأن منطقتنا العربية لا يوجد فيها شيء اسمه اسرائيل ، كيف سيكون حالها ومدى الاستقرار والسلام فيها ، حتماً لكانت منطقتنا العربية تنعم اليوم بالمزيد من الأمن والاستقرار والتطور والتقدم ، ولكانت كل تلك الأموال والامكانيات الهائلة التي تصرف على التسليح والجيوش والحروب ، تصرف على مجالات البناء والتنمية والاستثمار والخدمات والمشاريع الكفيلة بإحداث نهضة شاملة في كل الدول العربية ، ولكانت العلاقات العربية قد وصلت لمراحل متقدمة من التقارب والتلاحم ، وهذا هو ما لا يريده أصحاب المشروع الاستعماري الغربي ، فليس من مصلحتهم حدوث مثل ذلك ، من أجل ذلك قاموا بصناعة الكيان الاسرائيلي في قلب الوطن العربي ، وكان وعد بلفور البريطاني هو النواة الأولى لهذا المخطط الاستعماري ، والذي يضمن بقاء المنطقة العربية في حالة عدم الاستقرار ، وفي حالة حرب مفتوحة ومتواصلة ، وفي حالة ترقب وخوف وتهديد وقلق غير محدود ، وهكذا أوضاع حتما لا تشجع على احداث انتقال وتطور حضاري كما يجب ، فهكذا أمر لا يتم إلا في ظل أجواء يسودها الأمن والاستقرار ..!!

وبالفعل من يبحث في التاريخ العربي منذ نشأة اسرائيل في عام 1948م وحتى اليوم ، سوف يندهش من هول التشوهات التي لحقت بالبنية الاقتصادية والتنموية والحضارية في المنطقة العربية ، فكلما انطلق العرب نحو العمل التنموي والتقدمي والحضاري كلما وجدوا أنفسهم في خضم أحداث ومتغيرات تفرض نفسها عليهم ، لتزج بهم في خضم معارك وحروب لا مفر منها مع الكيان الإسرائيلي ، والتي تتسبب في تدمير منجزاتهم وتعطيل مشاريعهم ومخططاتهم التقدمية والحضارية ، والعودة بهم إلى الوراء لعدة سنوات ، فما تعرضت له مصر على سبيل المثال من دمار وخراب نتيجة الحرب مع اسرائيل في عام 67م و حرب الاستنزاف التي استمرت عدة سنوات وحرب 73م ، كان له أثر سلبي كبير على مسيرتها التقدمية والتنموية في كل المجالات إنموذجا ..!!

نعم لن أبالغ اذا قلت بأن صناعة اسرائيل في الخاصرة العربية قد خدم أصحاب المشروع الاستعماري الغربي بشكل كبير جدا ، فقد دفع الدول العربية إلى أن تشتري منهم المزيد من الاسلحة ، كرد فعل على التطور التسليحي الكبير الذي تتمتع به اسرائيل نتيجة الدعم اللامحدود الذي تتلقاه من ذات المشروع ، ورغم المبالغ المهولة التي سخرها العرب لشراء الاسلحة إلا أن كفة ميزان القوى دائما يرجح لمصلحة اسرائيل ، وعندما كانت تحقق الجيوش العربية الانتصارات الحاسمة التي كانت كفيلة بهزيمة اسرائيل سرعان ما كان المشروع السياسي الغربي يتدخل بكل ثقله لتغيير مجريات المعركة لمصلحة اسرائيل وهزيمة العرب ، وعندما أدرك العرب ذلك الأمر وأدركوا بأنه من الصعب هزيمة اسرائيل في ظل النظام العالمي القائم اليوم الذي يتحرك في خدمة اسرائيل واستمراريتها وبقاءها كأمر واقع ، غيروا رحالهم نحو السلام العادل الذي يضمن قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف حسب قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ..!!

ورغم العراقيل والعقبات الكثيرة التي اعترضت مسار السلام ، ورغم بعض التنازلات التي قدمها العرب في هذا المجال ، إلا أن هذا المسار قد افقد دولة اسرائيل حضورها وفاعليتها في المنطقة ، وجعلها مقيدة باتفاقيات ومعاهدات السلام ، وهو ما منح الدول العربية بعض الوقت للانطلاق في مجالات البناء والتنمية والتطور ، ولكن المخططات العدائية الغربية الامريكية الموجهه ضد العرب لم تتوقف ، ابتداءا بالحرب العراقية الايرانية ( حرب الخليج الأولى ) ، ثم حرب الخليج الثانية ( التحالف الغربي ضد العراق ) ، ثم الحرب ضد الارهاب بعد احداث 11 سبتمبر ، ثم احداث مؤامرة الربيع العربي ، والتي تسببت جميعها في استنزاف العالم العربي على المستوى الرسمي والشعبي ، وأدخلت الشعوب العربية في صراعات بينية مفتوحة ، دمرت اقتصادها ومنجزاتها ومشاريعها وأعادتها سنوات عديدة إلى الوراء ، وتسببت في تعثر مسارها التقدمي والحضاري ..!!

وما يحدث اليوم في غزة من هجوم عسكري اسرائيلي كبير على قطاع غزة كرد فعل على هجوم حماس على بعض المستوطنات في غلاف غزة ، الهدف منه إعادة اسرائيل إلى المشهد كقوة فاعلة ومؤثرة في المنطقة ، بعد أن تراجع حضورها في السنوات الاخيرة بسبب اتفاقات السلام التي قيدت حركتها في حدود ضيقة ومحدودة داخل مجالها السياسي والجغرافي ، ويبدو بأن هناك هدف آخر وهو جر المنطقة إلى موجة حروب وصراعات قد تتوسع لتطال دول ومنظمات وأحزاب ( محور المقاومة ) ، بعد أن ادرك المشروع السياسي الغربي بأن هذا المحور قد أصبح يشكل خطر كبير على مصالحه في المنطقة ، رغم تلاقي مصالح الطرفين وتخادمهما في مراحل سابقة ، ومسألة تصادم الطرفين مسألة حتمية لكن التوقيت يظل غير معلوم ، وإن كانت المؤشرات تذهب إلى أنه اصبح قريب وقريب جدا ، خصوصا بعد أن أصبحت الدول والجماعات المنضوية في محور المقاومة تمثل تهديد حقيقي لمصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة ، وفي حال حدوث التصادم سوف تترتب عليه نتائج سلبية وكارثية على الدول العربية سواء المنضوية في محور المقاومة أو غيرها ، فالخراب والدمار والنتائج الاقتصادية السلبية سوف تطال كل الدول العربية بصورة أو بأخرى ، وسوف يؤثر بشكل سلبي على مساراتها ومشاريعها وخططها التقدمية والحضارية ..!!