فلسطين والرقصة العرجاء لمحور الممانعة

01:50 2023/10/23

بلاشك لقد شكلت إنتفاضة السابع من أكتوبر الحالي نقله نوعية لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي الذي أعاد القضية الفلسطينية للأذهان بعد عقود من النسيان.. ولعل ما يُميز هذه الحرب هو تجاوزها للجغرافيا العربية، الذي وصل صداها لكل شعوب العالم، والتي بدورها خرجت منددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة مطالبة بنفس الوقت حكوماتها بوقف دعمها للكيان الصهيوني وبضرورة وقف الحرب ومحاسبة النظام الإسرائيلي المجرم

فالحرب ليست ظاهرة جديدة اندلعت مؤخراً في غزة، بل هي أحد أهم أدوات الكيان الإسرائيلي في نفي وإلغاء بعض الكيانات داخل فصائل المقاومة الفلسطينية، والذي من شأنه أن يُساهم في تفكيك المقاومة وإضعافها وسلب إرادتها الجماعية في مواجهة الإحتلال

فكان الدور الإيراني هُنا ظاهراً للعيان ملامحه عبر  تأجيج الفصائل وتحريضهم على الإقتتال إما بالإنحياز لأحد الأطراف، أو عبر تهيئة ظروف إشتعال القتال، ومن ثم الإنسحاب وعدم التدخل، وهذا ماحدث يوم السابع عشر من أكتوبر فلقد فضل النظام الإيراني الصمت على أن يتفوه بكلمة واحدة ولو من باب حفظ ماء الوجه تجاه ما يتعرض له أطفال غزة من جرائم حرب وإبادة تجاوزت محرقة " الهولوكوست"، وفاقت فظاعة كل أساليب القتل والإبادة التي أرتكبتها " داعش والقاعدة " في عدة عواصم عربية وإسلامية.

إن إيديولوجيا الإسلام السياسي بشكل عام هي أيديولوجيا مُحملة بجملة من التناقضات، ففي الوقت الذي يدعي فيه النظام الإيراني وأدواته في المنطقة دفاعهم عن فلسطين وقضية شعبه العادلة، والرغبة في مواجهة إسرائيل، تُحاول أن تتبنى نظرية الفلسفة السياسية تطفلاً وعَنوة.و القائلة؛ بأن لا مجال لما هو مقدس وثابت في حقل الإجابة عن ماهو مُتغير ومتطور مثل قضية فلسطين، ولذلك فإن القضية الفلسطينية في نظر هؤلاء الغوغائيون هي قضية تدرسها وتُحدد نظرياتها وتبعاتها مناهج محددة، وفقاً لمعيار المصلحة العامة والشخصية، وبما يخدم أيضاً مصالح الكيان المحتل بتفاوتاتها الطبقية بوصفها مصدراً للكسب السياسي للازمة والصراع في فلسطين.

وما حدث، هو أن الحرب انتقلت من كونها أداة تحصرها طهران في جيبها وجغرافيتها المحددة، إلى حرب فضاء مصيريه لا راعٍ لها ولا وصي عليها، بل أصبحت مُهدداً حقيقياً لإستمرارها على إمتداد الإقليم، ومدخل نحو إنتحار شامل قد يُصيب دول بعينها تعتقد طهران بأنها ستكون بعيدة عن مرمى نيرانها.

وما يُثير القلق ويُضاعف مؤشرات التحول نحو مآل إنهيار وتفكك أدوات إيران في المنطقة عموماً، وفي اليمن خصوصاً، هي الكيفية التي تتفاعل بها الأدوات مع حالة الحرب الحالية، ومسألة تأسيس أرضية خصبة للإنتفاع مما يحدث من جهة، والكيفية التي يتفاعل بها أطراف الصراع عسكرياً وسياسياً من جهة أخرى، وهي كيفية بالنسبة لمحور ما يُسمى بمحور " الممانعة " قوامها الإختباء والهروب من الجذور التي أفضت إلى الصمت والإدانة على إستحياء وقفزهم نحو عتبات التصريحات الغبية والإستعراضات الكرتونية التي أثبتت مدى ضحالتها وإنحيازها لمصلحة كيانات محددة الغرض منه خدمة مصالح أجنبية حليفة ونصيرة ومُدبرة للإنقلابات في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ومتخاذلة في فلسطين..وبالتأكيد فإن إيران حريصة على قطع الطريق أمام التغيير والتحول الديمقراطى والسياسي في المنطقة، وترفض أن يُزاحمها أي دور عربي فيما يتعلق في الصراع العربي الإسرائيلي أو في الصراع القائم في عواصم عربية عدة، لأنها ستضطر حينها وكعادتها إلى اللجوء لخيارات العنف والقتل والحروب الطائفية لإستبعاد أي منافس لها

وما يدور في وسائل الإعلام المختلفة حالياً هو تقويض لسردية طهران ومحورها في المنطقة، الذي حاول ولسنوات تدجين القضية الفلسطينية وحوثنتها لرفع رصيدهم في الشارع اليمني والعربي، ومن ثم تنكروا لها غير مدركين فظاعة ما أقدموا عليه، وهو ما يؤشر بحتمية سقوط هلالهم الذي ولدَ ميتاً.