هيمنة ثقافة الغلبة والقهر والقوة .. على العقلية السياسية البشرية ..!!

09:24 2023/10/21

من يبحث في التاريخ السياسي والعسكري البشري ، سوف يلاحظ بأن ثقافة الغلبة والقهر والقوة ، هي الثقافة السائدة والمهيمنة على معظم العلاقات البشرية ، في ظل غياب شبه تام لثقافة السلام والحوار ، وأي حديث عن السلام لم يكن إلا عبارة عن فترة استراحة مؤقتة بين المتحاربين لإعادة ترتيب صفوفهم والاستعداد لجولة حرب جديدة ، أو في حالة وصول الأطراف المتحاربة إلى درجة الإنهاك والتعب واستحالة تحقيق النصر لأي منهما في ظل الظروف القائمة ( سلام إضطراري ) ، ونادراً هي تلك الحروب التي كانت تنتهي بسلام اختياري ، وكثيراً هي الحروب التي كانت تنتهي بسلام إجباري ( استسلام ) ، والأكثر هي تلك الحروب التي كانت تنتهي بالحسم العسكري ، ليمارس الطرف المنتصر ضد الطرف المهزوم سياسة الغلبة والقهر وما يرافقها من ظلم واستبداد وقهر وعدوان وانتهاكات وجرائم ..!!

والحرب العالمية الأولى والثانية وما رافقهما من اصطفافات وتحالفات إقليمية ودولية ، هما النموذج الأكثر شمولاً وإتساعاً وفظاعة ووحشية ، والدليل الذي يوكد على هيمنة ثقافة الغلبة والقهر والقوة على الفكر السياسي والعسكري البشري ، وأيضاً يؤكد في نفس الوقت على غياب ثقافة الحوار والسلام بين المجتمعات والشعوب والأمم البشرية ، وفي مبادرة إنسانية قامت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية بتأسيس منظمة الأمم المتحدة ، بهدف الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، والقيام بالتدخل لحل كل الخلافات والنزاعات بين الدول ، ومنح مجلس الأمن الدولي الصلاحيات في التدخل العسكري المباشر لإيقاف الحروب والصراعات على كل المستويات ، في مساعي لتعزيز ثقافة السلام والحوار والتعايش السلمي بين البشر ، وكانت تلك الإجراءات وما تحمله من المثالية والإيجابية والإنسانية والسلمية ، كفيلة بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، وكفيلة بتضييق الخناق على ثقافة الغلبة والقهر والقوة ، وإفساح المجال لثقافة السلام والحوار ..!!

لكن للأسف الشديد ..... 
خلال الإعداد والتحضير ووضع اللوائح والقوانين المنظمة لعمل الأمم المتحدة ، ظهرت نزعة الغلبة والقهر والقوة عند الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ، لتفرض لنفسها امتيازات تمنحها الأفضلية دون غيرها ، وفي مقدمتها وأخطرها هو حق النقض الفيتو الذي يمنحها الحق في نقض وتعطيل قرارات مجلس الأمن الملزمة ، ليتحول مجاس الأمن بذلك إلى أداة ابتزاز لمصلحة الدول العظمى ، فما ينسجم مع مصالحها من قرارات وافقت عليها ، وما يتعارض مع مصالحها رفضته ، حتى لو ترتب على ذلك تهديد الأمن والسلم الدوليين ( الحرب في غزة إنموذجاً ) ، فرغم خطورة وكارثية هذه الحرب على العالم وعلى الحقوق والحريات الإنسانية ، نتيجة تصاعد التوتر بين روسيا وحلفائها من جهة وإمريكا وحلفائها من جهة أخرى ، وهو ما قد يجر المنطقة والعالم لكوارث لا يحمد عقباها ، إلا أن أمريكا وبصفتها عضو دائم في مجلس الأمن تعطل كل القرارات التي تدين الصلف الإسرائيلي ضد المدنيين في قطاع غزة ، وإذا كانت امتيازات الدول العظمى في مجلس الأمن قد منحتها الحق في استغلال الدول الاخرى ، إلا أنها في نفس الوقت قد وضعتها في حالة تصادم عندما يتعلق الأمر بمصالحها ..!!

وعلى كل حال فإن منح الدول العظمى نفسها امتيازات دون غيرها ، وعدم تحقيق المساواة بين الدول في منظمة الأمم المتحدة ، هو استمرار لثقافة الغلبة والقهر والقوة ، وفي ذلك تقويض لكل المساعي الدولية لتعزيز ثقافة السلام والتعايش والحوار ، كما أن ذلك قد ساهم في عجز الأمم المتحدة عن حل معظم الخلافات والنزاعات الدولية ، وساهم في عدم قدرتها على إيقاف الحروب والصراعات وتحقيق السلام على كل المستويات ، والسبب في ذلك هو إخضاع كل الخلافات والنزاعات للحسابات السياسية بدلا من إخضاعها للحسابات الإنسانية والحقوقية ، بل لقد وصل الأمر بها إلى تقديم الدعم لدول تقوم بأعمال تزعزع السلم والأمن الإقليمي والدولي ، طالما وذلك ينسجم مع سياساتها ومصالحها ، وما يحدث اليوم من تصعيد غير مسبوق بين أمريكا وحلفائها من جهة وروسيا وحلفائها من جهة أخرى في منطقة الشرق الأوسط ، يؤكد على أن ثقافة الغلبة والقهر والقوة هي الثقافة السائدة في الفكر السياسي البشري حتى اليوم ، ويؤكد في نفس الوقت على عدم التجاوب مع كل الأفكار والنظريات والدعوات التي تشجع على تبني ثقافة الحوار والتعايش السلمي ..!!