صرخة من أجل الوطن

10:27 2023/10/19

عندما كنت أقرأ سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وبالذات قصة حصار شِعْب أبي طالب، كنت أستغرب كيف سمحت القبائل العربية المجاورة أو البعيدة لهذا العمل المشين أن يحدث أمام أعينها ولمدة ثلاث سنوات؟.


كنت أحيانًا أشكك بالرواية المنقولة، وأقول إنه تاريخ وليس قرآنا. فلا يعقل أن يتم حصار هذا العدد من البشر في شعب، بلا ماء ولا زاد، لقد منعوهم من الدخول والخروج، منعوهم من أسباب الحياة بل وحذروا الآخرين من مساعدتهم.

كيف لي أن أتصور أن العرب، أو بالأصح القبائل العربية آنذاك رضخت لذلك؟، لماذا لم تجتمع القبائل، وتدخل عنوة إلى شعب أبي طالب وتنقذ المحاصرين؟ ، لماذا رضخت وقبلت بهذا العمل اللاأخلاقي وغير الإنساني وهم أهل نخوة وكرم وأخلاق؟.

اليوم، وأنا أشاهد أبناء غزة المذبوحة، عادت بي الذكريات إلى تلك الأيام التي شككت فيها بكتاب السيرة الذي كنت أدرسه في المرحلة الإعدادية، وعرفت أن قريش كانت أكثر إنسانية في تعاملها مع المسلمين، فهي على الأقل لم تبيدهم، ولم تدفنهم أحياءً، كما يحدث في شِعْب غزة، حتى القبائل العربية التي صمتت على تلك الجريمة التي اُرتكبت بحق المسلمين، كانت أكثر إنسانية من الدول العربية الآن. فعلي الأقل لم يحتاج المحاصرون في شعب أبي طالب إلى العلاج، أو الأكفان، أو المعدات لرفع الركام من فوق أبنائهم وموتاهم وهم يمنعونها عنهم كما هو احتياج شِعْب غزة لذلك.
لقد صدقت كتب السيرة وتوهمت صباح أن الإنسانية قد تنتزع من أقرب الناس إليك!!،

دعونا نكون أكثر واقعية ونقول كيف للشعوب العربية وقياداتها وهي تعيش في هذا الوضع المزري أن تقف في وجه أعتى قوى العالم المتكبر والمتعنت والمدافع عن الصهاينة بهذا الشكل المبالغ به؟
إذا أردت أن تطاع فأطلب المستطاع,
ماذا نريد منكم يا قيادتنا العربية في المرحلة الأولى؟ ليس تحريك الجيوش، فنحن نعلم أن لكل دولة حساباتها ولكل دولة اولوياتها ومخاوفها، ولكننا نريد منكم أن تنطقوا ولو بما يخرج التاريخ من الحرج الذي سيلاقيه وهو يسطر هذه الحقبة من الخزي والعار المستفيض.

نريد منكم أن ترحموا أنفسكم وأهليكم قبل أن ترحموا شهداء غزة وأبطالها.
نريد منكم أن تمنحونا فرصة للدفاع عنكم أمام أولادنا وأصدقائنا الأجانب.
نريدكم أن تعفونا من الكذب باسمكم ونحن نطأطئ رؤوسنا أمامهم ونختلق أعذارًا أقبح من ذنوبكم،

والله أننا نعلم أن الغرب قبل أن يدفع بالصهاينة إلى هذا العمل الشنيع بدأ بزعزعة الثقة بينكم وبين شعوبكم، جعلوكم غرباء وأنتم في عقر داركم، جعلوكم أعداء وأنتم في أوطانكم، جعلوكم ضعافًا حتى يفعلوا فعلتهم هذه، وأنتم بهذا الضعف وهذا الشتات،

أريد أن أذكركم أن فلسطين ستوحدنا معكم وستعيد ثقتنا بكم وستجعل لكم فضلًا علينا لن ننساه، لأننا ندرك أن ما يحدث اليوم في غزة أن صمتنا عنه، فسيحدث غدًا او بعد غد لنا وستتفرج الشعوب العربية التي لم يحن دورها، وستتابع نشرات الأخبار كما نتابع اليوم المجازر في غزة وربما حتى التغريدات في وسائل التواصل الاجتماعي لن نجدها.

يا زعماء العرب قدموا أضعف الإيمان وسنرضى به لأننا نعلم أننا كنا مشتركين معكم في هذا الهوان الذي وصلنا إليه، لهذا سنرضى منكم بأقل القليل.
ادخلوا المساعدات بالقوة ولن بتجرأوا على لومكم فهي مساعدات واجب تقديمها، لأنها حق مكفول لكل كائن حي وليس فقط الإنسان في قوانينهم.
اغلقوا السفارات التي على أراضيكم،
قاطعوا منتجاتهم.

اسحبوا استثماراتكم واوقفوا شركاتهم التي تعمل لديكم. اتحدوا، ليس من أجل غزة ولكن من أجل أوطانكم فدوركم قادم لا محالة، ومن مؤشراته التي لا يغفلها إلا جاهل هذا الصلف الذي تخرج به كل القوى الغربية وتدافع عن الصهاينة المغتصبين دون خجل، فهي الأن تقيس مدى قوتكم وتختبر صبركم، هم الآن لا يحبون إسرائيل كما يعتقد البعض، هم الآن يتسابقون مع روسيا والصين في السيطرة على بلدانكم.

وكما تفشت ثورة الربيع العربي في الأوطان العربية ستتفشى الحرب وسيأتي دور كل قطر من الأقطار العربية، فلا صديق من العرب لهم وإن زعموا ذلك، صديقهم الوحيد مصالحهم وهيمنة أوطانهم.، هم يحاربون مع إسرائيل لحماية أوطانهم فساعدوا  غزة لحماية أوطانكم قبل فوات الأوان.