إعداد القوة .. وتحقيق النصر ..!!

06:15 2023/10/14

من الأمور المسلم بها في مجال الحروب والمعارك العسكرية ، إنه من الخطأ الفادح دخول أي معركة سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدول أو الأمم بدون التجهيز الجيد والإعداد اللازم لها ، فالمعارك والحروب ليست نزهة ، بل قتل وقتال ودماء وخراب وعواقب وخيمة وتضحيات جسيمة ، لذلك أراد الله تعالى في كتابه العظيم القرآن الكريم أن يضع المسلمين أمام الصورة ، حرصاً عليهم وحقناً لدمائهم وحفاظاُ على حقوقهم وممتلكاتهم وصوناً لحرماتهم ، من خلال توجيههم بأمر إلهي صريح وواضح لا لبس فيه ولا غموض ، يأمرهم فيه بإعداد القوة اللازمة والكافية للدخول في أي معركة إذا اقتضت الضرورة ، قال تعالى (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) ، ومن الخطأ الاعتقاد بأن القوة هنا تقتصر على الجانب العسكري كما يظن البعض ، بل تشمل الجانب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي والأخلاقي والفكري ، وهذا الخطأ في الفهم أو الإدراك هو أحد اسباب انتكاسات واخفاقات المسلمين في الكثير من حروبهم ومعاركهم ، فالتركيز على إعداد القوة العسكرية فقط دون الاهتمام والتركيز على إعداد القوة في بقية الجوانب الأخرى ، لا يفي بالغرض ولا يحقق الهدف كما ينبغي ، ولا يلتزم بالأمر الإلهي كما يجب ..!!

لأنه حتى لو تمكنت الأنظمة السياسية من إعداد القوة العسكرية بالشكل المطلوب ، وأصبح النظام يمتلك قوة عسكرية كبيرة ، فإنه لن يتمكن من تحقيق النصر طالما ولم يقم بإعداد القوة في الجوانب الأخرى ، فتحقيق النصر يتطلب إعداد اقتصاد وطني قوي قادر على توفير كل الامكانيات المادية التي تتطلبها المعركة ، وقادر على توفير كل الاحتياجات الضرورية التي يحتاجها الشعب خلال فترة الحرب ، وتحقيق النصر يتطلب إعداد مجتمع قوي موحد ومترابط ومتماسك ومتعلم وواعي ، يقف بقوة بجانب السلطة ويساعدها في حماية الجبهة الداخلية من التفكك والانهيار والخذلان ، وهذا الأمر لن يتحقق الا اذا كان النظام السياسي يقوم على العدل والمساواة والشورى ويحترم حقوقهم وحرياتهم ، وتكون السلطة الحاكمة قد وصلت إلى السلطة باختيار وإرادة الشعب ، وعندما يكون الدخول في المعركة بموافقة الشعب ودعم الشعب ، وهذا الأمر لن يتحقق إلا إذا كان النظام السياسي يقوم على الشورى والديمقراطية والعدالة والمساواة ..!!

وبذلك فإن إعداد القوة التي أمر الله تعالى بها المسلمين والكفيلة بتحقيق النصر لهم منظومة متكاملة ومتسلسلة ومترابطة ، يكمل بعضها بعضا ويربط بعضها بعضا ويدعم بعضها بعضا ، وتقوم على أسس شرعية وعقلية وعلمية وفكرية وأخلاقية ، فليس كل من امتلك بعض القوات والأسلحة قادر على تحقيق النصر ، وليس كل من دخل المعارك يستطيع تحقيق النصر دون التخطيط الدقيق والإعداد الجيد لها من كل الجوانب ، وحساب ابعادها وتطوراتها وعواقبها ونتائجها ، فمسألة الدخول في الحرب وتحقيق النصر ليست مزاجية ولا إرتجالية ولا إنفعالية ، فكم من القيادات السياسية والعسكرية الغير مسئولة والغير معقولة والمتهورة والطائشة قد دفعوا بجيوشهم لمحارق الموت ، وبشعوبهم للخسائر الفادحة والتضحيات الكبيرة ، وبأوطانهم للدمار والخراب ، لأنهم لم يعدوا القوة اللازمة لخوض تلك الحروب الإعداد اللازم على الأقل الكفيلة بخروجهم منها بأقل الخسائر ، وهنا تتجلى حكمة أو غباء القيادة السياسية في كل زمان ومكان ، فليس من الحكمة ولا من العقل والمنطق أن تغامر قيادة سياسية بجيوشها وشعبها لخوض حرب مع طرف آخر يفوقها عدة وعتاد وتسليح وامكانيات ، وهذا النوع من المعارك يطلق عليها المعارك الخاسرة والانتحارية ..!!

لذلك يظل إعداد القوة التي أمر الله تعالى المسلمين بها ليس بالأمر السهل ، ومهما كانت المعركة عادلة اذا لم يتم إعداد القوة الكافية واللازمة فإن النصر لن يكون حليف أصحابها ، فعدالة القضية يجب أن تدفع أصحابها إلى الامتثال لأمر الله تعالى في اعداد القوة كما يجب وكما ينبغي مهما تطلب ذلك من وقت ، ففي العجلة الندامة وفي التأني السلامة ، بل إن الدخول في حروب غير متكافئة قد تترتب عليها نتائج كارثية ، وقد تتسبب في مضاعفة مظلومية اصحاب الحقوق والقضايا العادلة ، وقد تعطى المبررات للظلمة لممارسة المزيد من الظلم والبطش ضدهم ، لذلك ليس من العقل والحكمة أن تعطي عدوك المبررات للانتقام منك والقضاء عليك ، خصوصا إذا كانت كل الظروف والمعطيات على كل المستويات المحلية والاقليمية والدولية من حولك لا تعمل معك بل مع الطرف الآخر ..!!

وهذا هو وضع الأخوة في قطاع غزة ، فالعملية البطولية التي قامت بها قوات حماس داخل المناطق المحتلة ، وترتب عليها الكثير من الخسائر البشرية والمادية في الجانب الإسرائيلي ، قد منحت إسرائيل الضوء الاخضر من القوى العظمى الدولية وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا للانتقام من الشعب الفلسطيني في غزة بدون قيود أو ضوابط ، خصوصا بعد ان تمكن الاعلام الاسرائيلي من تهويل ما قامت به قوات حماس خلال هجومها أمام الرأي العام العالمي ، وتصويرها على أنها حركة إرهابية لا تختلف كثيرا عن داعش ، وكأن إسرائيل ومن يقف معها ويدعمها كانوا في انتظار هكذا فرصة لتشويه صورة حماس وإلصاق تهمة الداعشية بها للقضاء عليها ، وللتنصل من كل اتفاقات وتفاهمات السلام التي عقدوها مع العرب خلال السنوات الماضية ، والتي الزمت إسرائيل بالانسحاب من قطاع غزة ومن بعض مناطق الضفة الغربية كمرحلة أولى ، بحسب اتفاق غزة أريحا أولاً ، والتي تلزم اسرائيل في مراحل أخرى بالانسحاب من الضفة كاملة ، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل قيام حماس بهجومها في هذا الوقت يخدم القضية الفلسطينية أم العكس ، هل سيجعل اسرائيل تخضع للسلام أم أنه اعطاها المبررات للانتقام والتنصل من كل اتفاقات السلام ، وإلى أي مدى سوف تذهب اسرائيل وحلفائها في الانتقام من حماس ...؟؟؟