حديث مع سبتمبر

06:41 2023/09/26

مرحبا بك أيها القادم من بعيد.
كيف جئتنا هذا العام والأمل يحدوك لعلك تجد ما يسرك خلف نباح الظَلَمة وقطاع الطرق ومغتصبي الحقوق؟!


وكيف لك أن تتوقع أن الحال قد تغير وزبانية الموت ما زالت على قيد الحياة.؟


كيف توهمت أن الموت قد رحل عن أطفالنا وحياتهم مخطوفة من قبل أعداء الحياة؟


هل زرتنا اليوم لتعمق جراحنا أم زرتنا تبكي على ما حل بنا؟


لا أعلم هل جراحنا ستلتئم بقدومك أم أن نبش الجراح سيؤلمنا أكثر.
سبتمبر أيها المارد الخالد في ذاكرتنا هل ما زال بمقدورك أن توقظ الموتى وأن تبرئ الأكمه؟!


هل ما زال لديك القدرة أن تسقط الأصنام التي تعبد بعد أن أسقطتها معاولك المباركة؟!
سيدي الكريم إنهم يتغنون بك وبحبك وهم أكثر كفر بك.


سيدي أنهم يدعون أنهم متيمون بك وهم يتسابقون على أبواب سيد كبلهم بقيود العبودية.
لماذا أتيت وقد كنت بعيدا عنا؟
لماذا زرتنا وقد كدنا نألف جراحنا؟
لماذا تشقينا بهذه الطلعة البهية ونحن لا نملك زادا ولا ماء لضيافتك؟
يا ليتك لم تأت أو يا ليتك رحلت إلى بعيد.


لا تعذبنا بذكريات حزينة مؤلمة قد خلدت إلى سبات عميق نحاول ألا نوقظها.
سبتمبر أيها القادم من بعيد
هل تذكرت رفاق دربك من المناضلين الأحرار، إن كنت قد أتيت لتبحث عنهم أو شبيه لهم فاسمح لي سيدي أن أتجرأ وأقول لك إنك فقدت العنوان
إذا الرفقة القديمة وحشتك وأتيت لزيارتهم فما أظن أنك ستجدهم أو تجد من يشبههم
لقد رحلوا ورحل معهم حلمنا ومستقبل أولادنا.
فلا تلهث خلف سراب فقد سبقناك وكدنا نموت عطشا لهم أو لمن يشبههم.
هل مررت سيدي الكريم بدولة مصر العربية؟! هل ذهبت إلى هناك تبحث عنهم؟


لقد سبقتك، فتشت في الطرقات، فتشت في الأزقة، فتشت بين الوجوه المتزاحمة، لعلي المح صديقنا الثائر أو ربما التمس كرسيا دافئا توحي بأنه كان هنا فتركها لتوه ورحل لأيقظ أمل وجوده بيننا.
إذا لم تكن مررت بأم الدنيا فسأخبرك ألا تذهب فما عاد لهم وجود هناك!
ربما تكون مررت بمدينة عدن الباسلة تتلمس بيوتها القديمة تبحث عن رفاقك في أزقتها.
حزينة أنا إن كنتَ قد ذهبتَ، فقد سبقتك أيضا فلم أشتم هناك إلا رائحة العنصرية، حتى شوارعها كادت تصرخ في وجهي تطالبني بالهوية، ولم تتعرف علي ولم ترد التحية.


إن كنت يا سيدي قد نسيت عام 1962 فعليك بالذهاب إلى صنعاء الأبية، فقد بٌعث الإمام هناك من جديد، لكن له أشكالا عديدة وأثوابا جديدة وحناجر بليدة تنعق بما لا تفهم وتصرخ وهي الظالمة وتبكي وهي القاتلة وتشكوا وهي الآثمة!


أشكالهم ناعمة وعقولهم فارغة قد تحولوا إلى نسخ فارسية في الشكل والمضمون فازدادت عيونهم زرقه، وخدودهم حمرة، وأجسامهم قوة، وعقولهم ضلة، لم يعد لهم إلى صحراء العرب أي انتماء رغم ادعائهم ذلك، حتى لحننا العربي صار في حناجرهم فارسي الإيقاع إيراني النغم.
لقد استبدلوك بشبح مخيف منحوه اسمك وقدسوه عوضا عنك، قتلوك به وسلبوا هيبتك من خلاله.
شبح فصلوه بحوزاتهم ونفخ فيه الروح بسامريهم ، جعلوا منه جسدا له خوار وهو لا ينطق ولا يتكلم.


سيدي سبتمبر ولا سيد لي بعد الله إلا أنت، كنت قبل قدومك حزينة مكلومة لأنه طال انتظاري لمقامكم الكريم، لكنني الآن بعد أن شاهدت الحزن في مقلتيك واليأس على شفتيك والقهر في هيئتك فقد تأكدت أنك رغم قدومك فقد رحلت عنا ولم تزرنا إلا ذكراك، فزدت حزنا على أحزاني، وأنا أتحسس ذلك المارد أمامي، لكنني لم أستطع أن ألمسه، لأنك روح أتت ترعانا، تذكرنا، تستنهضنا، تحيينا بعد أن سلبت أحلامنا وقتلت طموحاتنا وتبددت أمانينا وتوقفت الأنفاس في صدورنا.
سيدي الثائر أريد أن أحدثك عن هباتك التي وهبتنا إياها.
خير غمرتنا وقوة أعطيتنا وعظمة منحتنا وحرية وهبتنا


أقول لك وبكل أسف لم يعد منها شيء يذكر
بقايا خدامك الخائنين حجبوها عنا وأشد أعدائك وأدوها أمام أعيننا
لم يتركوا لنا شيئا من رائحتك إلا وأفسدوه بروائح مزيفة تختلط فيها بقايا أجساد متعفنة ألبست ملابس زاهية فلم تستطع أن تحجب تلك الرائحة النتنة التي أفسدت نسمات قدومك وومضات بزوغك
لم يعد فينا أحدا يليق بالمثول أمام هيبتك، فالعظمة والحرية والقوة كلها تناثرت بربيع مزعوم ثم تبدلت نسماته بعاصفة اقتلعت كل ما بنيت لنا فانكشفت العورات وبانت العيوب وبرزت الوجوه المتعفنة على أجساد أناس تلحفوا ردائك العظيم ولم يكونوا أهلا له.