المؤامرة الاقليمية وتدمير البنية التحتية لليمن

05:32 2023/09/16

يعيش اليمن اليوم، أحد أصعب فصول تاريخه، حيث يشهد منذ سنوات تدميراً هائلاً للبنية التحتية وهدراً للقدرات والامكانيات التي تحققت خلال عقود بالعرق والدم والدموع اليمنية.

تقاربات سياسية تكشف أن هذا الدمار والتدمير ليس  إلا جزءً من مؤامرة أكبر، تهدف إلى إضعاف اليمن وتقويض قدراته، وتحويله إلى حديقة خلفية للبعض، ومتنفس جيوسياسي للبعض الآخر وعلى حساب أحلام وتطلعات اليمنيين الذين جاهدوا لعقود طويلة في سبيل التقدم والتطور والازدهار والاستقرار الاجتماعي والوحدة الوطنية وفي سبيل دولة مواطنة عادلة.

و عندما نتحدث عن الأحداث السياسية في اليمن، لا بد أن نتوقف عند التقاربات التي تمت في الأشهر الأخيرة، والتي كشفت عن مؤامرة كبيرة استهدفت اليمن وشعبه.
فقد تبين أن الهدف الحقيقي وراء الحرب في اليمن لم يكن من اجل تحقيق الاستقرار أو القضاء على الحوثيين، بل إهدار القدرات اليمنية وتدمير البنية التحتية للبلاد، وهذا ما اثبته تداعيات الأحداث منذ إطلاق المبادرة الخليجية وانعقاد الموتمر الوطني للحوار برعاية إقليمية ودولية، ومن ثم إقدام الدولة بقيادة هادي  على تقديم الاعتذارات لمتمردي صعده و انفصالي الجنوب، الأمر الذي أوجد لهؤلاء قاعدة من شرعية مكنتهم من المساهمة في العبث والتدمير وتمزيق النسيج الاجتماعي وزرع وتسويق القيم والمفاهيم الطائفية والمناطقية والعودة بالثقافة الوطنية إلى عصور الجهل والتخلف والفقر والجهل والمرض.

تمتلك السعودية وإيران تاريخاً طويلاً من الصراع والتنافس في المنطقة، وتحاول كل منهما تعزيز نفوذها وتحقيق مصالحها، وهما اللذان اتفقا في مواجهة ثورة سبتمبر وتوحدت قدراتهما يومها في مواجهة الإرادة الشعبية اليمنية، ولكن تفاقمت قدراتهما وتنافسهما الجيوسياسي أدى مؤخرًا إلي تفرقهما ودخولهما في مواجهة تنافسية يدفع ثمنها الوطن العربي، واليمن في قلب التنافس بعد أن تعمد الطرفان على التأمر على نظام اليمن، وتفكيك الدولة الوطنية اليمنية بعد أن شعر النظامان السعودي والإيراني باستحالة تمرير مخططهما في ظل وجود نظام صالح الذي استطاع أن يغادر عباية الهيمنة الخارجية ويتحرر من الوصاية السعودية، والي حد ما، الوصاية الأمريكية، وهذا السلوك لم يروق لقوى دولية وإقليمية وجارة، وكانت السعودية أكبر من ارتكب غلطة بحق نفسها حين ساهمت في إسقاط  نظام صنعاء الذي كان يعد العمق الاستراتيجي للسعودية، ولكل دول الخليج، وهذا ما كانت تدركه واشنطن ولم تكن ترغب به ولا باستقرار اليمن أو بتعزيز علاقته مع دول الجوار حتى تبقى مهيمنة على هذه الدول، ولم يكن احتلالها للعراق وتدميره، إلا جزءً من المخطط الأمريكي الذي كان يهدف إلى إبقاء دول الخليج بمثابة محميات خاصة به، ولهذا كان لابد من تدمير دول الجوار الخليجي من العراق الي سوريا الي اليمن.

الحوثيون، بوصفهم الفصيل المسلح الذي يتحرك وفق توجيهات إيرانية، يعدون أنفسهم ذراعاً لإيران في اليمن. وعلى الرغم من  سعيهم خلال السنوات الماضية الى تدمير اليمن، وتهديد الأمن والاستقرار في المنطقة، غير ان التقارب السعودي الإيراني ألقى بضلاله عليهم، وفي هذا الصدد كشفت مصادر أنهم توجهوا إلى الرياض بتوجيهات إيرانية..
ما يثير التساؤلات هنا، أن حملة الحوثة وإقدامهم على تفجير كارثة مارس 2017 م، واغتيال الزعيم صالح بتهمة إتصال هاتفي مع الخارج، والهدف إيقاف العدوان، حينها وحل الأشكال عبر الحوار والتفاهمات التي تكفل حقوق الجيران، غير أن الحوثة اعتبروا الأمر خيانة وطنية، فماذا نعتبر مواقفهم الان؟ وكيف نفسرها؟ وتحت اي وصف يمكن توصيفها بعد أن اتضح أن السعودية وسلمان أصدقاء واشقاء يمكن التفاهم معهم فيما الخونة هم من يطالبون بمرتباتهم وحقوقهم بالوطن والمواطنة؟

وما يثير الاستغراب والتساؤلات لدى الشارع اليمني، هو كون الحوثيين، الذين كانوا يستهدفون السعودية بقصف صاروخي وتفجيرات، قد ذهبوا بتوجيهات إيرانية إلى الرياض، دون أن يكون هناك أي قوة عسكرية تمنعهم من ذلك. وهذا يدفعنا للاعتقاد أن حضور الحوثيين إلى الرياض يأتي في إطار اتفاقات سعودية - إيرانية، حيث يعتبر الحوثيون ذراعًا إيرانية تتحرك وفقًا لتوجيهات إيران، على ان تلتزم السعودية بإعادة إعمار اليمن.

ولذلك، يجب أن نتساءل لماذا لم يذهب الحوثيون إلى الرياض منذ عام 2016، ويحقنوا الدماء بدلاً من التعنت الأحمق الذي تسبب في سقوط مئات الآلاف من القتلى والجرحى، وتدمير البنية التحتية لليمن؟ 
اذ من الواضح أنهم كانوا يستطيعون الوصول إلى الحل منذ سنوات، ولكنهم رفضوا ذلك واستمروا في دعوات التحشيد والتعبئة العامة والنهب.

التقارب السعودي- الإيراني يشير إلى أن الحوثيين لم يكونوا بحاجة للتدمير والقتال للوصول إلى الرياض، بل كان بإمكانهم زيارتها دون إطلاق أي رصاصة ، بناءً على اتفاقات سعودية- إيرانية. وهذا يدل على أن السعودية ملزمة بإعادة إعمار اليمن، وأنها تدرك أن الشرعية اليمنية تعاني من الاختطاف من قبل الأطراف الإقليمية.

وبدخول الحوثيين في المفاوضات في الرياض، فإن ذلك يعتبر إقرارًا منهم بأن السعودية لم تعد عدوًا، كما كانوا يرددون،  بل وسيطًا في الأزمة اليمنية، وأن الدور السعودي المباشر في اليمن قد وصل إلى نهايته. وهذا يعني أنه يجب على المجتمع الدولي العمل على إنهاء هذه المؤامرة، وإعادة الشرعية إلى اليمن، التي غيبت من قبل الإقليم والمصالح الخارجية.

من المخاطر الكبيرة التي يعاني منها اليمن، عرقلة عصابة الحوثي انعقاد المفاوضات منذ بداية الحرب. والتي كان الشهيد الزعيم علي عبد الله صالح، أول من دعا إلى وقف الحرب والحوار والمفاوضات المباشرة، غير ان عصابة الحوثي رفضت دعوته تحت مبرر وجود قتلى في صفوفهم. ولكن بتوجيهات إيران، قرروا تناسي اي تضحيات وتخلوا عن شعاراتهم الفارغة وذهبوا إلى الرياض.

التساؤل المهم هو: ماذا لو قرر الحوثيون الذهاب إلى الرياض منذ عام 2016م، وحقنوا الدماء بدلاً من التعنت الأحمق؟

لقد تسبب هذا التعنت في سقوط مئات الآلاف من القتلى والجرحى وتدمير البنية التحتية. وعلى الرغم من بدء سريان هدنة انسانية منذ عام 2022م، استمرت الممارسات القديمة والمماطلة، وخرقتها عصابة الحوثي بشكل مستمر ورفضت حقن دماء اليمنيين.

وفي الوقت نفسه، يستمر الحوثيون في حراسة الحدود ومنع التهريب، بمقابل مادي سعودي، وهذا يعني أن السعودية تلعب دوراً وسيطاً في اليمن، وتسعى لإنهاء تدخلها المباشر في اليمن.

من الواضح أن الشعب اليمني أصبح يدرك حقيقة الأمور، وماعادت  تنطلي عليه تصريحات الحوثيين الجوفاء.

هذه الأحداث تكشف عن الدور الذي تلعبه إيران في اليمن، وتؤكد أن الحوثيين ليسوا سوى أداة تستخدمها إيران لتحقيق أهدافها في المنطقة.

في النهاية، يجب أن ندرك أن الحرب في اليمن لم تكن إلا مؤامرة كبرى تستهدف الشعب اليمني، وتدمير قدراته. وعلى اليمنيين أن يستفيقوا، ويدركوا أن الحل لن يكون من خلال العنف والتدمير، بل من خلال المفاوضات والحوار المباشر مع السعودية، وعلى أسس ندية ترعى مصالح كل الأطراف دون هيمنة أو تدخل، وان ندرك أن مصلحة اليمن واستقرارها  مرتبطة بعلاقتها اولاً مع دول الجوار قبل إيران، والاطراف الأخرى البعيدة جغرافياً وثقافياً عن اليمن. 
نتمنى أن يكون هذا  الوقت هو الوقت  المناسب لإنهاء هذه الحرب الشاملة التي دمرت البلاد وشعبها، وأدت إلى معاناة لا توصف، وما ستكشفه نهاية هذه الحرب سيكون بمثابة الصدمة الكارثة التي سوف تصحوا اليمن عليها قريباً.