الإيمان بالله .. والتوازن النفسي ..!!

01:17 2023/09/03

بصراحة ..... 
من ينظر إلى المنهج الإسلامي ، نظرة عامة وشاملة ، يندهش من عظمة تشريعاته وأحكامه ، كونها تناولت كل ما يتعلق بحياة الإنسان ، ونظرت إلى كل متطلباته وإحتياجاته برؤية غاية في الإتزان والإعتدال والوسطية ، فكل تشريع ، وكل حكم ، له أهداف وغايات ، تراعي جوانب الحياة المختلفة ، من إنسانية ، واجتماعية ، وروحية ، ومادية ، ودنيوية ، وأخروية ، تهدف في مجملها ، إلى إنتاح شخصية إنسانية سوية ، متحررة من الكثير من السلوكيات السلبية ، ومن الأمراض النفسية ، من خلال ربطها الربط الوثيق بخالق الكون جل شأنه ، لأنه كلما زاد في النفس البشرية ، الثقة بالله تعالى ، كلما كانت أكثر بُعداً عن السلوكيات السلبية ، وكلما كانت أكثر قرباً من السلوكيات الإيجابية ..!!

كما أن الثقة بالله تعالى هي ميزان سلامة وصحة النفس من الأمراض النفسية ، فكلما زادت تلك الثقة داخل النفس البشرية ، كلما كانت أكثر سلامةً وصحةً نفسية ، والعكس صحيح ، وبإنتاج أفراد أسوياء نفسياً وسلوكياً ، يمكن الوصول إلى غاية عظيمة جداً ، من غايات المنهج الإسلامي ، وتتمثل في الحصول على مجتمع إنساني صالح ، وفاضل ، وسعيد ، ومتعاون ، ومتراحم ، وحضاري ، وهذا هو الهدف الدنيوي العام لكل الأديان السماوية ، والمتمثل في الدفع بالمجتمع نحو الإيجابية والفضيلة ، وإبعاده عن السلبية والرذيلة ، من خلال تفعيل نوازع الخير داخل النفس البشرية ، وكبح جماح نوازع الشر داخلها ..!!

ونظراً ...... 
لأن الإنسان في هذه الحياة ، في مرحلة إختبار وإبتلاء ، منحه الله تعالى حيزاً من القدرة على الإختيار ، في إطار المشيئة الإلهية المسيطرة على هذا الكون ، وفق آلية غاية في الدقة والإتقان ، وصولاً لٱقامة إختبار ، تتحقق فيه العدالة المطلقة ، التي تراعي كل الظروف والأحوال المحيطة بالٱنسان ، لإقامة الحجة عليه يوم الحساب والعقاب ، وذلك من خلال العقل البشري الذي منحه الله تعالى لهذا المخلوق ، والذي يمتلك القدرة على التمييز ، بين الخير والشر ، بين الإيجابية والسلبية ، بين المفيد والضار ، بين الحسن والقبيح ، بين الحلال والحرام ، وجعل نوازع الخير تدفع النفس البشرية نحو الخيرية والإيجابية ، وجعل نوازع الشر تدفع بها نحو الشر والسلبية ، لذلك يوجد حالة من الصراع الدائم داخل النفس ، بين نوازع الخير ونوازع الشر ، صراع لا يتوقف أبداً ..!!

وعن طريق الوحي الإلهي ....... 
الذي يوضح الله تعالى من خلاله للعقل البشري ، طريق الخير وطريق الشر ، طريق الهداية وطريق الضلال ، ويوضح للعقل البشري الكثير من الأمور الغيبية ، من أهمها على الإطلاق أن الله تعالى هو خالق هذا الكون ، مدعومة بالأدلة والآيات الكونية ، ويوضح له أيضاً أن الإيمان بالله تعالى وما يرافقه من أعمال وسلوكيات إيجابية ، هو طريق الفوز والنجاح ، وأن الشرك بالله وما يرافقه من أعمال وسلوكيات سلبية ، هو طريق الفشل والخسران ، طبعاً الوحي الإلهي هو المصدر الأول للعلم والمعرفة ، ويتم نقل ذلك العلم إلى البشر بصورة غير مباشرة ، عن طريق الرسل عليهم السلام ، وعن طريق الآيات الموجودة في الكون ، وعن طريق القابلية للتعليم الموجودة في الفطرة البشرية التي تدفع بالٱنسان نحو البحث عن العلم والمعرفة ..!!

وبالتالي ...... 
ورغم الأهمية الكبرى للوحي الإلهي ، باعتباره المصدر الأول للتعليم وللمعرفة ، إلا أن للعقل البشري قدراً لا يستهان به في هذا المجال ، لأن العقل البشري هو الهبة الإلهية التي تمنح الإنسان القدرة ، على الاستفادة من الوحي الإلهي ، وبدون العقل لن يكون للوحي أي معنى ، وبالتالي هناك ارتباط وثيق بين الوحي الإلهي والعقل البشري ، في المنهج الإسلامي ، فعن طريق العقل يتعرف الٱنسان على خالق هذا الكون عن طريق الوحي الإلهي ، وعن طريق الآيات الكونية ، والوحي والعقل نور على نور كما يقول الإمام الغزالي ، وبالتالي فإن العقل هو بوابة الإيمان الصحيح ، والإيمان الصحيح هو القوة الروحية ، التي تمنح النفس البشرية التوازن النفسي الذي تحتاج إليه ، والتوازن النفسي يضبط السلوكيات الإنسانية ، ويدفع بها نحو الإتجاه الإيجابي ، بعكس الحال عندما تعاني النفس البشرية من الاضطرابات النفسية ، الناتجة عن الفراغ الروحي ..!!

إذن ...... 
الإيمان الصحيح بالله تعالى ، له دور كبير جداً في تحقيق التوازن النفسي والسلوكي داخل النفس البشرية ، فهو يدفع النفس البشرية نحو الٱنحياز للخير والإيجابية ، في كل تصرفاتها وسلوكياتها ، فأين الإيمان في نفوس من يشجعون على العداء للآخر ، والكراهية للآخر ، ويشجعون على القتل والعنف والتطرف والتشدد ، وانتهاك حقوق وحريات الإنسان ، وممارسة الظلم ضد الآخر ، وغيرها من السلوكيات والتصرفات السلبية ، من المؤكد بأن النفس التي تنزع نحو هكذا تصرفات عدائية وسلبية ، لا تتمتع بالإيمان الصحيح ، الذي يدعوا إليه الوحي الإلهي ، ومن المؤكد بأنها نتيجة ذلك ، تعاني من الاضطرابات النفسية والسلوكية ، وأن نوازع الشر هي من تتحكم بتلك النفس ، لأن هكذا تصرفات سلبية وعدائية ، تتعارض تماماً مع خيرية النفس البشرية ..!!

وبذلك ...... 
من كانت نفسه تدعوه للنزوع نحو السلوكيات السلبية والعدائية ، عليه مراجعة إيمانه وعلاقته بالله تعالى ، وعليه أن يدرك بأن هناك خلل ما في إيمانه بالله ، وأنه يعاني من اضطراب نفسي ، وأنه لا يتمتع بحالة التوازن النفسي ، التي من المفترض أن يحققها الإيمان الصحيح بالنفس البشرية ، لأن الإيمان الصحيح يدفع النفس نحو الخيرية والإيجابية ، وحب الخير للآخرين يندرج ضمن تلك الخيرية ، فأين الخيرية في دعوات التطرف ، والتشدد ، والإرهاب ، والقتل ، والكراهية ، والعنف ، ومصادرة حريات الآخرين ، ونهب حقوقهم ، والتسلط عليهم ، وممارسة الظلم ضدهم ، وبالتالي فإن هكذا دعوات سلبية وتصرفات عدائية ، تتعارض تماماً مع الإيمان الصحيح بالله ، ولا يمكن أبداً أن تصدر عن نفس بشرية سوية ومتوازنة ، وبالتالي فإن مقياس الإيمان يظهر من خلال سلوكيات وتصرفات الإنسان تجاه الآخرين ..!!