الشراكة الوطنية بين التنظير والتطبيق ..!!

08:31 2023/09/02

الشراكة الوطنية الحقيقية والصادقة هي التجسيد الحقيقي للتلاحم الوطني بين القوى الوطنية على كل المستويات والأصعدة وفي كل الظروف والأحوال والمواقف ، والشراكة الوطنية تعبير عن التفاف جميع الأطراف حول الثوابت الوطنية والمصالح العليا للوطن ، والشراكة الوطنية شعور مشترك على أن الوطن للجميع ويتسع للجميع وخيراته وثرواته تكفي للجميع ، والشراكة الوطنية تظهر بجلاء من خلال التوزيع العادل للسلطة والثروة بين جميع القوى الوطنية الفاعلة ، والشراكة الوطنية تقوم على احترام جميع الاطراف للدستور والنظام والقانون واللوائح النافذة والالتزام بها في كل الظروف والأحوال ، والشراكة الوطنية تعبير عن حالة التطور والتقدم والرقي الحضاري التي وصلت إليها القوى الوطنية والتي تدفعها للشعور بالمسئولية تجاه وطنها وشعبها ، وتجعلها تقدم كل التنازلات الممكنة في سبيل الحفاظ على تماسك الجبهة الوطنية الداخلية ، والشراكة الوطنية هي كل فعل إيجابي يعزز الاحترام المتبادل بين القوى الوطنية ويعمل على بناء شراكة وطنية حقيقية في كل المجالات ويعمل على تقارب وجهات النظر لما فيه مصلحة الوطن ، والشراكة الوطنية هي انعكاس لحالة النضج السياسي والفكري لقيادات القوى الوطنية ومدى حرصها على الوطن ومصالحه ..!!

وبذلك فإن الشراكة الوطنية الحقيقية والفعلية لا تتجزأ ولا تقسم ولا توزع ولا تقسط حسب الأهواء والمزاجات والمواقف ، ولا حسب المصالح والحاجات والمناسبات ، وبناء الشراكة الوطنية الحقيقية لا يتم بالشعارات والمزايدات والخطابات والأقوال ولكن بالأفعال والمواقف على أرض الواقع في الشدة والرخاء في السلم والحرب ، ونوعية الفكر السياسي للقوى الوطنية الفاعلة هو الذي يحدد قابليتها بالاندماج والشراكة أو العكس ، فالقوى التي يقوم فكرها السياسي على الشورى والديمقراطية والتعددية والقبول بالآخر واحترام الآخر هي التي تمتلك الأفضلية والقابلية للاندماج والشراكة مع بقية القوى الآخرى ، بينما القوى التي يقوم فكرها السياسي على أن الحكم والسلطة حق حصري لها دون غيرها كحق وراثي أو ديني ، ليس لديها القابلية بالشراكة الوطنية ، لأنها لا تعترف ببقية القوى من حيث المبدأ ، فالشراكة الوطنية هي اعتراف بحق الآخر في السلطة والحكم ، وهي قبول بشراكة الآخر في السلطة والثروة ، وهذا الأمر لا يتوفر في الفكر السياسي الاستبدادي والملكي والوراثي ..!!

وبذلك فإن من أهم معوقات قيام شراكة وطنية فعلية في الدول النامية ، هو استحواذ أحد الأطراف على السلطة والثروة والمناصب والقوة والاستفراد بها ، وقيامه بإقصاء واستبعاد وتهميش بقية القوى الوطنية ، ومصادرة حقوق وحريات قياداتها وكوادرها ، والتشكيك فيهم والتعامل معهم على أنهم أشخاص غير مرغوب بهم ، وقد يصل الحال إلى حرمانهم من صكوك الوطنية التي يوزعها على أعوانه والمؤيدين له ، الوطنية التي تصبح مفصلة على مقاسهم دون غيرهم ، والتي يتم فيها إختزال الوطن واحتكاره في مصالحهم وشخوصهم ، تلك السياسات الإقصائية والاستبعادية والاستفرادية تجعل الطرف المسيطر يعيش في حالة عزلة داخل بلاده ، وتصنع له الكثير من الأعداء والحاقدين المتضررين من سياساته وتصرفاته الاستبدادية والاقصائية تجاههم ، وتجعله يقف وحيدا في مواجهة كل المتغيرات والأحداث الداخلية والخارجية ، فمن يستفرد بالسلطة والثروة والقوة في وقت الرخاء والخير ، عليه أن يدافع عنها منفردا في وقت الشدة والبلاء ، فهذه هي النتيجة الطبيعية لسياساته الاقصائية لبقية القوى الوطنية وسياساته الاستفرادية بالسلطة ، فمن غير الممكن أن يطلب الطرف المسيطر من بقية الأطراف الوطنية التي قام بإقصائها وتهميشها واستبعادها ، أن يدافعوا عن سلطته وكرسي حكمه وحتى عن الوطن الذي أصبحوا يعيشون فيه وكأنهم غرباء ، بعد أن أصبح الطرف الحاكم والمسيطر يختزله ويحتكره ويتعامل معه وكأنه ملكية خاصة له ..!!

( فالشراكة الوطنية في الرخاء = الشراكة الوطنية في الشدة ) ، والعكس صحيح ، وهذه المعادلة السياسية لا نقاش ولا جدال حول صحتها ومنطقيتها وواقعيتها ، عند كل من يمتلك عقل وحكمة وسياسة ، والعبث والجنون هو رفضها أو عدم القبول بها ، ومن يستفرد بالسلطة والثروة والقوة هو من يتحمل مسئولياتها وواجباتها وهو المسئول عن الدفاع عنها وحمايتها في كل الظروف والأحوال ، ومن غير المعقول ولا المقبول عقلا ومنطقا أن يطلب ممن ليس في يده سلطة ولا ثروة ولا قوة ولا يمتلك قوت يومه أن يتحمل مسئوليات وواجبات السلطة الحاكمة والدفاع عنها ، ومجرد التفكير في هكذا طلب هو ضرب من الجنون ، لذلك كان وما يزال وسيظل الالتزام بالشراكة الوطنية هو السبيل الوحيد لبناء جبهة وطنية داخلية قوية ومتماسكة ، وهو السبيل إلى توحيد كل الجهود الوطنية الداخلية لمواجهة كل التحديات والأخطار الخارجية ، والعكس صحيح ..!!