الاستعمار الخارجي بأيادٍ محلية ( الاستعمار بالوكالة ) .

04:11 2023/08/27

الاستعمار بشكل عام سلوك عدواني توسعي ينتهك حق الشعوب الأخرى في الاستقلال والسيادة والعيش بكرامة وحرية ، ويعمل على فرض أفكاره ومعتقداته على أفراد تلك الشعوب بالقوة ، ولا يتوقف عن نهب خيراتها وثرواتها. إنه سلوك وحشي بربري إرهابي ، وتتنوع أليات و وسائل الإستعمار.


فهناك استعمار مباشر عن طريق التدخل العسكري المباشر وإحتلال الأرض، وإدارة السلطة بقيادات من المستعمرين، وهذا معروف ( الاستعمار الامريكي للعراق بعد حرب الخليج الثانية ). وهناك الاستعمار غير المباشر عن طريق دعم قوى وجماعات محلية داخلية موالية للمستعمر الخارجي ، تقوم بالسيطرة على السلطة بالقوة التي تتلقاها من المستعمر الخارجي ، وتكون بمثابة الأداة التي تعمل على خدمة المستعمر الخارجي، وتنفيذ كل سياساته وقراراته ضاربة بالمصالح العليا للوطن عرض الحائط ، وتسخر كل امكانياتها لفرض افكاره وايديولوجياته بالقوة; نتيجة تعارضها مع الفكر الديني والقومي والوطني لهذا الشعب او ذاك ( الاستعمار الايراني للعراق حالياً إنموذجاً ) . 
ويظل الاستعمار الايديولوجي والفكري أكثر سوءً من الاستعمار الاقتصادي; فالاخير يكتفي بنهب الثروات المادية الطبيعية ، بينما الأول يسعى إلى تغيير ثقافة ومعتقدات وأفكار الشعوب وفق ثقافته وافكاره بالقوة والاكراه، وفي نفس الوقت ينهب خيراتها وثرواتها ويسخرها في نشر ثقافته وافكاره ومعتقداته. لذلك، كان ولا يزال الاستعمار ذو الطابع الايدولوجي والفكري أسوأ وأبشع بكثير جدًا من الاستعمار ذو الطابع الاقتصادي .

فالاستعمار الاقتصادي قد يتسبب في فقدان الشعوب لبعض ثرواتها ومواردها الطبيعية لفترة زمنية محددة مع احتفاظها بمعتقداتها وأفكارها وثقافتها ، أما الاستعمار الايديولوجي والفكري فإنه يتسبب في انتهاك حقوق الانسان الدينية والفكرية والثقافية ، ويتسبب في طمس هوية وتاريخ وحضارة الشعوب المستهدفة ، وسلخها عن تراثها وعاداتها وتقاليدها وجذورها القومية والتاريخية والحضارية ، وإنتاج أجيال من المهجنين عقائدياً وايديولوجيا وفكرياً. يسخّرون أنفسهم ووقتهم وجهدهم في خدمة المستعمر والدفاع عنه بعلم او بدون علم ، وفرض إرادته وسياساته وعقائده وأفكاره وثقافته على أبناء جلدتهم بالقوة، ما يُحدث حالة من الإنقسام الإجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، فئة موالية للمستعمر تعمل تحت إمرته وتعتنق أفكاره ومعتقداته وتقاتل دفاعاً عنه ، وفئة أخرى ممانعة ورافضة لأفكار ومعتقدات المستعمر ومتمسكة بمعتقداتها وأفكارها وثوابتها الوطنية ، وتنظر إلى الفئة الأولى على أنهم خونة وعملاء للمستعمر باعوا دينهم ووطنهم وكرامتهم وتخلوا عن ثوابتهم وسيادتهم مقابل المال والسلطة. ما يترتب عليه صناعة حالة من العداء والعنف والكراهية والصراع المستمر بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد. من أجل ذلك، كان ولا يزال وسيظل الاستعمار الإيدولوجي والفكري أسوأ وأبشع استعمار عرفته البشرية في تاريخها; فليس هناك ما هو أسوأ من فرض افكار وايديولوجيات خارجية مستوردة على الشعوب بالقوة والضغط والاكراه.

وليس هناك ما هو أسوأ من حدوث حالة الانقسام بين أبناء الوطن الواحد ، فبينما يعتمد أعوان المستعمر على القوة والسلطة والدعم الذي يقدمه لهم المستعمر ، يعتمد الأحرار على حقهم في مقاومة المستعمر وعلى حقهم بالعيش في حرية وكرامة وسيادة واستقلال لقرارهم السياسي ، ورغم بشاعة الاستعمار بكل أشكاله وأنواعه، إلا أن الاستعمار غير المباشر هو الأبشع والأفظع. 
فهو يدفع بالقوى والجماعات المحلية الموالية له بممارسة القمع والاستبداد وفرض سياساته وأفكاره على بقية أفراد الشعب بالقوة ، وهو يقف موقف المتفرج ، بعد إن تحولت تلك القوى والجماعات المحلية العميلة إلى جيوش تعمل تحت إمرته وتنفذ سياساته، بعد أن تتقمص ثوب الوطنية أو القومية أو الطائفية، وتجعل من نفسها المدافع عن الوطن والسيادة والدين; لتمارس القمع والاستبداد والإرهاب والقتل بإسم الدفاع عن الوطن والدين، رغم أنها في الحقيقة تمارس كل ذلك دفاعاً عن المستعمر وفي سبيل فرض افكاره وايدولوجيته على أفراد الشعب بالقوة ، وهذا يسمى الاستعمار بالوكالة، والذي بموجبه يتحول الوكيل المحلي إلى أداة استعمارية في يد المستعمر الخارجي. أداة استعمارية بغلاف وطني أو قومي أو ديني ، أداة استعمارية ترفع شعار الوطنية أو القومية ، أداة استعمارية بوجوه وقيادات محلية.
إنه الاستعمار بقناع وطني ومحلي، وهذا أخطر أنواع الاستعمار;لأنه ينفذ سياسات المستعمر الخارجي تحت شعارات وطنية أو قومية أو دينية أو مذهبية .