التوظيف السياسي والسلطوي للأحداث المأساوية في التاريخ الإسلامي ..!!

11:11 2023/08/13

التاريخ البشري حافل بالكثير من المواقف والقصص والأحداث الإيجابية والسلبية ، وحافل بالكثير الكثير من صور الصراع المستمر بين الخير والشر ، وكلها قد طويت في صفحات كتبه ومجلداته الكثيرة ، كمادة فكرية وبحثية ومنهجية ودراسية وتعليمية ، تزود الإنسان بالكثير من العظات والعبر والدروس في شتى مجالات الحياة ، كما أن التاريخ هو أداة الربط والتواصل بين أجيال البشر المتلاحقة ، فبفضل التاريخ انتقلت الخبرات والابتكارات والأفكار والانجازات العلمية والمعرفية من جيل إلى جيل في سلسلة متواصلة ، وكان لكل حضارة بشرية دوراً واضحاً في مسيرة التطور الحضاري البشري ، فالتطورات الحضارية الكبيرة التي تعيشها البشرية اليوم ، لم تأتي من فراغ وليست وليدة الصدفة ، بل هي ثمار جهود بشرية كبيرة متواصلة عبر التاريخ البشري الطويل ..!!

وأي تخلف أو تراجع حضاري لأمة أو شعب ما في أي زمان أو مكان ، هو نتاج التعاطي السلبي مع الأحداث والمواقف التاريخية ، كالتوقف عند أحداث أو مواقف تاريخية مأساوية وسلبية حدثت في مراحل تاريخية سابقة ، وإعطائها هالة من التضخيم والاهتمام المبالغ فيه ، لتنتقل سلبية تلك الأحداث من جيل إلى جيل ، ولتتحمل الأجيال اللاحقة أوزار وأخطاء وتجاوزات وانتهاكات سابقة لا علاقة لهم بها لا من قريب ولا من بعيد ، وهكذا تصرفات تساهم في توسيع الخلافات بين أبناء الأمة الواحدة ، والحكمة تجاه هكذا أحداث سلبية سابقة في التاريخ هو العمل على إيجاد الحلول والأفكار التي تضمن عدم تكرارها ، وليس التوقف عندها واستدعائها في كل عام لإثارة المزيد من الخلافات وصناعة المزيد من الأحقاد بين أبناء الأمة ، وكأن الزمن والتاريخ البشري قد توقف عند تلك الأحداث المأساوية ..!!

والشاهد من ذلك .... 
لم يمر وقت طويل بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ، حتى بدأ المسلمون في التوظيف السياسي والسلطوي للأحداث المأساوية ، وحادثة استشهاد الخليفة الثالث عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) على يد مجموعة من المتمردين بتلك الطريقة الوحشية والارهابية ، كانت أول حدث مأساوي في التاريخ الإسلامي ، يتم توظيفه بشكل سياسي وسلطوي ، حيث قام بنو أمية بتوظيف مظلومية الخليفة عثمان بن عفان وصولاً إلى سيطرتهم على السلطة وإعلان الخلافة الأموية ، وكان استشهاد الإمام الحسين ( رضي الله عنه ) في كربلاء ثاني حدث مأساوي تم توظيفه بشكل سياسي وسلطوي ، حيث قام شيعة آل البيت بتوظيف مظلومية الإمام الحسين وصولاً إلى السيطرة على السلطة وإعلان الخلافة العباسية والفاطمية والعلوية ، ومنذ تلك الحادثة المؤلمة وحتى اليوم والشيعة لا يتوقفون عن المطالبة بالثأر من قتلة الإمام الحسين ، ليصبح هذا الحدث أعظم حدث في تاريخ البشرية يتم توظيفه بشكل سياسي وسلطوي ..!!

وللأسف الشديد لم يسجل التاريخ الإسلامي بأن السلطات السياسية الحاكمة بإسم الشيعة قديما او حديثاً قد وظفت الأحداث المأساوية التي تعرض لها آل البيت توظيفاً دينياً أو حقوقياً أو قانونياً ، فلم يسجل التاريخ بأنها قد جعلت من تلك الأحداث محطة لرفع الظلم عن المظلومين ، وإرجاع الحقوق إلى أهلها ، وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين ، ولم يسجل التاريخ بأن تلك السلطات قد جعلت منها محطة لإقامة الدولة الإسلامية القائمة على العدل والمساواة والشورى ، بل إن ما تقوم به هو العكس تماماً ، فهي لا تتردد عن استغلالها وتوظيفها سياسياً وسلطوياً لتكريس نظرية الولاية القائمة على مبدأ التوريث دون أي اعتبار لمبدأ الشورى هذا أولاً ، وفي توظيفها ثانياً لإعلان العداء والحرب والكراهية لكل من يعارضها أو يخالفها المذهب أو الفكر أو الرأي ..!!

وبصراحة لم تبرع أي من الجماعات الدينية عبر التاريخ البشري في توظيف الأحداث التاريخية المأساوية توظيفاً سياسياً وسلطوياً ، كما برعت الجماعات الدينية الشيعية في ذلك ، كيف لا وهي إلى اليوم لا تزال تقيم مراسيم العزاء في استشهاد ناس استشهدوا في أحداث تاريخية قبل اكثر من 1400 عام ، كيف لا وهي إلى اليوم لا تزال تحاكي تلك الأحداث وتستدعيها كل عام لاستثارة مشاعر المؤيدين لها وصولاً إلى القيام بضرب أنفسهم ولطمها بشكل وحشي لا يمت للشرع والعقل والإنسانية بصلة ، كيف لا وهي إلى اليوم تقوم بتصوير كل من يعارضها أو يخالفها الرأي بأنهم من الموالين والمؤيدين لقتلة آل البيت رغم أن كل المسلمين قديما وحديثا ينددون ويرفضون ويتألمون ويشعرون بالحزن الشديد لما تعرض له آل البيت من الظلم خلال تلك الأحداث المأساوية ، كيف لا وتلك الجماعات تستغل الأحداث المأساوية في التاريخ الإسلامي ، لتثبيت نظرية الإمامة والولاية القائمة على الوراثة والتوريث ، بدلاً عن النظرية الإسلامية القائمة على الشورى ، ويبدو أن هذا هو الهدف النهائي والرئيسي للتوظيف السياسي والسلطوي لهذه الأحداث ..!!

وعلى فكرة ..... 
نحن لسنا ضد إحياء الذكرى لتلك الأحداث لأي طرف كان فهذه حرية شخصية ، كما أنه بالإمكان الاستفادة منها وأخذ العظة والعبرة من أحداثها ، وتصحيح الأخطاء التي رافقتها والتي أدت إلى حدوثها ، لكننا ضد توظيفها سياسياً وسلطوياً لتحقيق مصالح سياسية ومكاسب سلطوية ، وضد توظيفها لصناعة المزيد من الخلافات والأحقاد بين أبناء الدين الواحد والأمة الواحدة ..!!