القيادة الناجحة... وفن إدارة الأزمات...!!

09:32 2023/08/06

لا تتجلى ولا تظهر حكمة ومهارة القيادة سواء السياسية أو الإدارية أو الاقتصادية إلا خلال فترات الأزمات والظروف الاستثنائية، ففي هكذا فترات حرجة وصعبة تبرز وتتألق القيادة الناجحة عن طريق ابتكارها للمعالجات والحلول العاجلة والطارئة للمشاكل والصعوبات التي تواجهها، بينما تقف القيادة الفاشلة عاجزة عن المواجهة وعن إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المحيطة بها، وتراها وهي تعيش في حالة من التخبط وعدم التوازن، فبدلا من تقديم المبادرات الكفيلة. بإخراجها من وضعها الصعب، تراها وهي تراوح مكانها لتغرق أكثر في مشاكلها، وليزداد الوضع المحيط. بها تعقيدا ، وتتميز القيادة الناجحة بالمرونة والإيجابية والموضوعية والقدرة على الحركة والمناورة، والعكس صحيح عند القيادة الفاشلة، فالتعنت والسلبية والجمود من معالم تعاطيها مع المشاكل والأزمات المحيطة بها...!!


ففي الجانب السياسي لا تردد القيادة السياسية الناجحة في اقتناص كل الفرص التي تساهم بصورة أو بأخرى في إخراجها من أزماتها ومشاكلها أو على الأقل التخفيف من أثارها السلبية، بل إن هذا النوع من القيادة لا يتردد في تقديم كل التنازلات الممكنة في سبيل حصولها على مجال أكبر من الحركة، وتخفيف الضغوط السياسية أو الاقتصادية المفروضة عليها، منطلقة من قاعدة ما لا أستطيع الحصول عليه اليوم في ظل الظروف السياسية المحيطة، قد أحصل عليه غدا بأقل التكاليف في ظل ظروف سياسية أخرى، فالظروف السياسية غير ثابتة بل متغيرة على الدوام، فإذا كانت تلك الظروف لا تعمل اليوم لمصلحتها فإنها قد تتغير مع مرور الوقت لتعمل غدا في صالحها، فالسياسة مجالها واسع ومتغيراتها كثيرة وخياراتها متعددة، والمجال متاح للاستفادة منها إذا كانت القيادة تمتلك قرارها السياسي بيدها، لكن مجالها يكون ضيقا وخياراتها تكون محدودة إذا كانت القيادة لا تمتلك قرارها وكان بيد قوى أخرى خارجية، وهي مجرد قيادة تابعة ومأمورة...!!


وهكذا وضع قد يجعل القيادة السياسية تشاهد نفسها وهي تغرق وتفشل أكثر وأكثر وهي لا تستطيع فعل أي شيء، لأنها لا تمتلك القدرة على المبادرة ولا تمتلك القدرة على أتحاذى القرار الأفضل والمناسب لمعالجة مشاكلها وأزماتها، لذلك من مميزات القيادة الناجحة امتلاكها لقرارها السياسي والإداري والاقتصادي، فالقيادة الناجحة في حالة الحرب مثلا لا تتردد في اقتناص أي فرص أو مبادرات يمكن أن تحقق لها السلام وتخرجها من حربها بأقل الخسائر الممكنة، حتى لو ترتب على ذلك تقديمها لبعض التنازلات، طالما وتلك التنازلات قد تحقق لها السلام وتخرجها من حربها بأقل الخسائر، بينما القيادة الفاشلة لا تتردد في رفض كل فرص أو مبادرات السلام، حتى لو ترتب على ذلك استمرارها في الحرب لأطول فترة، وتقديم المزيد من التضحيات والخسائر الفادحة على كل المستويات...!!


وما يفرق بين القيادتين الناجحة والفاشلة هو امتلاك قيادات الأولى لفن إدارة الأزمات ومعالجة المشاكل، فامتلاك رجال القيادة لهذا الفن يجعلهم يتعاطون مع كل الأزمات والمشاكل المحيطة بهم بمزيد من المرونة والفاعلية، فتراهم وهم يبحثون عن الإيجابية وفي سبيل الحصول عليها يقدمون المبادرات والمعالجات ويقدمون كل التنازلات الممكنة، فالإيجابية هي هدفهم وغايتهم، ومن يبحث عن الإيجابية حتما هو شخص مرن وإيجابي، وكم هو الوطن محظوظ بهكذا قيادات، فهم لا يقبلون بالسلبية ولا بالخسارة ولا بالفشل، ولا بتقديم المزيد من التضحيات في الحروب والصراعات طالما وهناك فرص للسلام، ففي السلام تكمن الإيجابية وفي الحرب تكمن السلبية، وفن إدارة الأزمات يقوم على تحقيق الأهداف والغايات بالطرق السلمية والدبلوماسية وبأقل التكاليف والخسائر الممكنة، لأنه لا جدوى من تحقيق الأهداف بالحروب والصراعات وبتقديم خسائر وتكاليف باهظة وكبيرة...!!


وفي المجال الاقتصادي إذا كانت القيادة ناجحة وتمتلك فن إدارة الأزمات فإنها حتما سوف تتغلب على مشاكلها الاقتصادية في وقت قياسي، وسوف تعمل على توفير البدائل المناسبة لمعالجة مشاكلها الاقتصادية أو على الأقل تعمل على تخفيفها في فترة قياسية، لكن القيادة الفاشلة والعاجزة والفاسدة والتي لا تمتلك فن إدارة الأزمات حتما لن تتمكن من حل أزماتها ومشاكلها الاقتصادية في وقت قياسي، وحتما ستتفاقم تلك الأزمات وتتطاول أيامها، فنجاح السلطة وفشلها يتوقف على قدرتها في إيجاد حلول ومعالجات للأزمات المحيطة بها في وقت قياسي، ويتوقف على قدرتها في اقتناص الفرص الكفيلة بتحقيقها لأهدافها أو جزء من أهدافها بأقل التكاليف والخسائر الممكنة، وبذلك فإن عامل الوقت وعامل المبادرة هما اللذان يحددان نجاح القيادة أو فشلها، فالقيادة غير قادرة على إيجاد حلول لأزماتها ومشاكلها السياسية والاقتصادية والإدارية بعد مرور السنين والأعوام هي حتما قيادة فاشلة وعاجزة، وأيا كانت الظروف أو المبررات فإنها لا تعفيها من إيجاد الحلول والمعالجات لأزماتها ومشاكلها القائمة...!!


بل إن الظروف الاستثنائية والصعبة هي المناسبة لإظهار القيادة مهاراتها وقدراتها وتميزها وهي الوقت المناسب لتألق القيادات وإبراز مواهبها عن طريق إيجاد الحلول والمعالجات لكل الأزمات والمشاكل التي تقف في طريقها، أما القيادة الفاشلة والعاجزة والفاسدة فهي التي لا تتوقف عن الاختباء خلف الظروف القائمة لتبرير فشلها وعجزها وعدم قدرتها على إيجاد الحلول والمعالجات اللازمة لمواجهة الأزمات والمشاكل المحيطة بها، وهي لا تدرك بأن المبررات والحجج تتهاوى وتسقط وتتلاشي مع مرور الوقت، لتصبح مكشوفة أمام شعوبها، بل قد تتطور الأمور وتتحول مبررات وحجج فشل القيادة إلى مجال للسخرية والتهكم من طرف الجماهير، فالوقت كفيل بكشف المبررات التي تسوقها السلطة لتبرير فشلها وعجزها، فالمبررات والحجج لها فترة صلاحية محدودة ومعلومة، وبعد انتهاء تلك الفترة تتلاشى وتنتهي تلك المبررات والحجج، لذلك القيادة الناجحة هي التي تبادر بإيجاد الحلول والمعالجات والمبادرات في وقت قياسي ، وهنا تتجلى أهمية امتلاك القيادة لفن إدارة الأزمات ، لأن الأزمات إذا طال أمدها استعصى حلها وتضاعفت تكلفة معالجتها وتعاظمت آثارها ونتائجها السلبية ..!!