هل باق معنا دولة؟

09:32 2023/08/06

في ظل انحسار مد الدولة اليوم للخلف در وجدب هيبتها للوراء، وتلاشت هيمنتها بشكل ملحوظ من على سطح وأمواج الأحداث العاتية التي حطمت فينا ثقتنا فيها. وصار الناس في كل مكان يرددون وسيسألون (هل باق معنا دولة؟) بلغة يأس مخيفة تنذر بكوارث أكثر ضبابية وخطر مما حدث ويحدث الآن.


لا يختلف اثنان أن أي دولة لا تستطيع أن تحقق أي توازن إلا أن كانت أركانها ثابتة وقوية متمثلة بهيبتها وهيمنتها وفرض سيادتها على الجميع، وأنها لا تستطيع أن تؤسس لحكم رصين ومتين يقوم على مبادئ واضحة في ظل غياب هذا الركن الهام والخطير الذي يحدد مدى نجاحها وفشلها في السيطرة على مجريات الأحداث في شتى أركان الوطن، وفرض سيادة القانون ومنع استقواء المجرمين والمنحرفين ممن يسعون إلى فرض شريعة الغاب وأكل القوي الضعيف...


فأخطر شيء يهدد كيان أي دولة في العالم أن تكون أركانها متهاوية ومتآكلة وإن حدثا ذلك فعليها وعلي الوطن الخراب.


للأسف الشديد ما يحدث اليوم هو العكس تماما وفرضت على الوطن لغة قبيحة وسيادة همجية يقودها مجموعة من سكان الغابات الأشد قبحا، سواء في شمال اليمن أو جنوبه وشرقه وغربه، وصارت لغة العبث الممنهج هي السائدة من أقصى الوطن لأقصاه يشعلها فتوات شعث غبر ومخربين خارجين عن القانون ومجرمين أعطوا أنفسهم حق يراد منه باطلا ولم يراعوا في الوطن وفي المواطن إلا ولا ذمة ولا ضميرا وأهدروا دم اليمني وأراقوه بلا مقياس وبلا حد وصاروا الجلاد والحاكم يفتون ويحكمون ويقررون مصائر الناس وحياتهم وموتهم بقوة السلاح والمذابح التي نثروها في كل جزء من اليمن.


لا جدال أن هؤلاء الشراذم مجرمون بكل لغات الإنسانية والوطنية إنما حين تغيب الدولة فبالتأكيد تكون كل القباحات مباحة ومتوقع في ظل موت هيمنة القانون والدولة وموت المحاسبة والضبط والعقاب وذلك ينذر بكوارث أشد سوءا تؤدي بنا إلى ما لا يحمد عقباه وستتفاقم مآسينا أكثر أن ظلت حكومتنا خارج نطاق الخدمة الوطنية المناطة بها لحماية ما تبقى للبلد من بقية باقية... ناهيك أيضا عن احتمال تحول كل مواطن يمني إلى مجرم من الدرجة الأولى وعن سبق إصرار وترصد كي يحمي ماله وعرضه من بطش هؤلاء المرتزقة وستغوص البلد في حضيض الدماء وكل الشعب سيصبح فتوات وبلاطجة إن لم تتدارك الدولة نفسها وتسن سيف هيبتها في وجه كل عابث ومجرم وذلك كي تحمي شعبها وتحمي نفسها من لعنه التاريخ...


فما يعانيه المواطن اليمني من انفلات أمني مرعب وما يلمسه من انفلات للضمير الإنساني واليمني هو ما جعله يفقد ثقته في الدولة وفي قدرتها على بسط نفوذها وردع كل مجرم يبطش ويعتدي ويظلم وينهب ويقتل، وأيضا لم يعد يثق إطلاقا بوجود من يحميه وينصفه ويعيد له حقوقه المنهوبة ويرد مظالمه إن كان مظلوم أو معتدى عليه، وذلك لقناعته أن أولئك صاروا اقوى من الدولة وأنها أصبحت أضعف من أن تضبط أيا كان من القتلة وقطاع الطرق وحثالة البشر...


من حقنا بعد كل هذه المآسي التي تقصم ظهر أي وطن مثقل بكائنات سرطانية تعيث فيه تخريبا وتنكيلا أن نطالب الدولة باسترداد ثقتنا فيها وفي الوطن وتبسط نفوذها بقوة القانون بحزم وقوة دونما تمييز طبقي أو عنصري أو مشيخي أو مذهبي أو طائفي فالجميع أمام قانون الوطن سواسية كأسنان المشط ومطلوب منها أن تعيد للبسطاء المقهورين أمنهم وسلامتهم وتنقذهم من حثالة بلاطجة وفتوات جعلوا اليمن قاب قوسين أو أدنى من الانهيار ومن هاوية الفناء... ونعيدها ونكررها التاريخ لا يرحم أحدا والوطن أيضا لا يرحم كل متهاون بترابه وبقطرات دم زاكية ما زالت تراقي على ثراه بسبب أولئك الشراذم الباغية.