حرمان الموظفين اليمنيين من مرتباتهم .. مأساة إنسانية مكتملة الأركان ..!!

تعرضت شعوب العالم للكثير من الحروب والصراعات الداخلية والخارجية ، ورغم كل ذلك لم تنقطع مرتبات الموظفين في أي مكان في العالم ، كونها حقوق قانونية مكتسبة لا يجوز المساس بها تحت أي ظرف ، وفوق هذا وذاك تمثل مصدر الدخل الوحيد والمحدود للموظف الحكومي ، الذي يعتمد عليه اعتماد كلي لتوفير متطلبات الحياة الضرورية له ولأفراد أسرته ، ليصبح المرتب بذلك حق إنساني بالاضافة إلى كونه حق قانوني مكتسب ، وبذلك فإن أي اعتداء أو مصادرة أو قطع أو منع للمرتب بدون وجه حق ، يعتبر انتهاك صارخ لواحد من الحقوق القانونية والإنسانية ، وهو حق العمل والحصول على الأجر العادل والثابت والمستمر بموجب العقد المبرم بين الموظف والحكومة ( فتوى الخدمة المدنية ) ، والذي إلتزمت الحكومة بموجبه بدفع مرتب شهري ثابت للموظف العامل في إحدى دوائرها ومؤسساتها في كل الظروف والأحوال ..!!

وبذلك فإن ما يتعرض له الموظف اليمني من حرمان وقطع لمرتباته لأكثر من سبعة أعوام على التوالي بدون وجه حق ، يعتبر جريمة ضد الإنسانية بكل ما تعني الكلمة ، لأن ذلك الفعل قد ترتب عليه تعرض هذا الموظف للكثير الكثير من صور المعاناة الإنسانية ، وفي مقدمتها حالة العوز والفقر والفاقة التي يعيشها ويتجرع مرارتها كل يوم وكل لحظة ، بسبب فقدانه لمصدر رزقه ودخله الوحيد الذي أفنى عمره في سبيله ، بالاضافة للكم الهائل من الضغوط النفسية الناتجة عن عجزه وعدم قدرته عن الوفاء بالتزاماته الأسرية والاجتماعية ، وشعوره بالألم والحزن والحسرة على ضياع سنوات عمره في التحصيل العلمي وفي العمل الوظيفي وفي خدمة الوطن ، التي ذهبت جميعها أدراج الرياح ..!!

طبعا الاطراف المتصارعة في اليمن يحاول كل طرف منها تحميل الطرف الآخر المسئولية ، وذلك للتنصل والتهرب من مسئولياته القانونية والانسانية والوطنية تجاه موظفي الدولة المنهوبة والمصادرة مرتباتهم بدون وجه حق ، وحقيقة الأمر أن من يسيطر على الجغرافيا ويجمع الضرائب والإيرادات الحكومية المختلفة هو المسئول الأول عن صرف مرتبات الموظفين الواقعين تحت سلطته شرعاً وعرفاً وقانوناً وعقلاً في كل الظروف والأحوال ، فمن يتولى السلطة عليه أن يتحمل مسئولياتها وتبعاتها كاملة ، فالأمر هنا ليس مزاجي أو اختياري بل إلزامي ، فالسلطة ليست مغنم فقط بل مغنم ومغرم ، وهذا هو المتعارف عليه في كل دول العالم وفي كل القوانين والدساتير الدولية ، ومن المعيب والمخجل أن يطالب المسئول عن السلطة في مكان ما من طرف آخر أن يتحمل عنه مسئوليات وتبعات سلطته التي هو المسئول الأول والوحيد عنها ..!!  

وبدون شك الأطراف الاقليمية الضالعة في الحرب اليمنية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ،  تتحمل مسئولية أخلاقية تجاه معاناة الموظف اليمني وحرمانه من مرتباته ، كونها تدعم الأطراف اليمنية الداخلية الموالية لها بمئات المليارات من الدولارات في الجوانب العسكرية والتدميرية ، بينما تبخل عن بعض مئات الألاف من الدولارات الكفيلة بدفع مرتبات الموظفين ، وكذلك المجتمع الدولي يتحمل مسئولية إنسانية تجاه هذه المأساة والمعاناة الإنسانية ، وذلك بسكوته وغض طرفه عن هكذا جريمة ضد الانسانية ، وعدم قيامه بواجبه الإنساني من خلال الضغط على السلطات الحاكمة وإلزامها بدفع مرتبات موظفيها ، ومن خلال المساهمة المالية في معالجة هذه الكارثة الإنسانية ..!!

وبصراحة سبعة أعوام كفيلة بإيجاد الحلول لمشكلة المرتبات لو كانت هناك نوايا صادقة لدى السلطات الحاكمة ، لكن يبدو أن هناك تجاهل متعمد ومقصود لهذا الموضوع ، ويبدو أن عدم مطالبة الموظفين لمرتباتهم وحقوقهم بالشكل المطلوب ، قد جعل كل الأطراف تتغاضى وتهمل هذا الأمر ، وهذه نتيجة طبيعية فالحقوق تضيع وتصادر وتهمل إذا لم يكن هناك من يطالب بها ويتابعها ، ومن لا يستطيع إيصال مظلوميته ومطالبته بحقوقه عليه أن يتحمل كل النتائج السلبية المترتبة على ذلك . وإذا كانت ظروف الحرب قد منعت الموظفين اليمنيين السلميين والمدنين من المطالبة بمرتباتهم وحقوقهم ، بسبب سياسات السلطات الحاكمة القمعية التي تمنعهم من المطالبة بحقوقهم بأي طريقة كانت حتى السلمية والمدنية منها ..!!

فإن ذلك لا يعفي المجتمع الدولي والأمم المتحدة من المسئولية القانونية والانسانية والأخلاقية ، خصوصاٌ أن الفترة قد طال أمدها وهو ما يسقط كل الأعذار التي ترفعها الأطراف الحاكمة للتنصل عن دفع مرتبات وحقوق الموظفين اليمنيين ، فهل وصل العجز بهده الأطراف إلى درجة عدم إيجاد حلول وطرق ووسائل يمكن من خلالها دفع فاتورة مرتبات الموظفين اليمنيين والتي لا تتجاوز المليار دولار سنوياٌ ، رغم أن إيراداتها السنوية قد تصل للعشرات من المليارات ، كما أن السلطات الحاكمة قد وجدت الحلول للكثير من المشاكل السياسية والعسكرية والإيرادية ، لكن يبدو أن هناك تواطؤ وإهمال مقصود تجاه قضية مرتبات الموظفين اليمنيين على كل المستويات ..!!