المجتمعات الفاشلة .. والهروب من مواجهة الحقيقة ..!!

08:15 2023/08/03

صوت الحقيقة هو القوة الدافعة والمحفزة داخل كينونة النفس البشرية ، الذي يحثها للسير نحو الإيجابية ، والذي عادةً ما يهرب منه الكثير من الناس وخصوصاً الضعفاء والجبناء والفاشلون والعاجزون  ومن يمتلكون نفسية العبيد ، خوفاً من مواجهته وتحمل تبعاته ونتائجه وآثاره ، فتراهم مثلاً وهم يقبلون بالعبودية والذل والهوان ولا يكلفون أنفسهم مجرد التفكير في نيل حريتهم وكرامتهم وانسانيتهم وحقوقهم ، وذلك خوفاً من تحمل تبعات وتكاليف الحرية ، فطريق الحرية والعزة والكرامة مضرجة بالدماء والتضحيات الكبيرة ، ولا يخوض غمارها إلا الأبطال والأحرار الذين يعشقون العيش في حرية وكرامة مهما كانت التضحيات والتبعات . 

لذلك قال الشاعر ( وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجةٍ يدق ) . وقال الشاعر اليمني محمد محمود الزبيري ( يوم من الدهر لم تصنع أشعته شمس الضحى .. بل صنعناه بأيدينا ) ، فالحرية صفة إنسانية سامية وعظيمة ، وهي الصوت القوي داخل النفس الذي يدفع الإنسان للدفاع عن حقوقه وحرياته ، والحصول عليها ليس بالأمر السهل ، خصوصاً في المجتمعات الجاهلة والمتخلفة التي تسود فيها ثقافة العبودية والخضوع والاستسلام للسلطة الحاكمة ..!!

ويظل الهروب من مواجهة الحقيقة في مختلف مواقف الحياة هو سبيل الفاشلين والعاجزين ، وما ينطبق على الأفراد ينطبق على المجتمعات والسلطات ، فهناك مجتمعات وسلطات تهرب من مواجهة الحقائق التي تكشف فشلها وضعفها وتراجعها وتخلفها وجهلها وتبعيتها وخضوعها ومصادرة حقوق وحريات أفرادها ، وقد تهرب إلى الأمام عن طريق صناعة المزيد من الأزمات والخلافات والحروب والعداوات والصراعات مع غيرها من المجتمعات ، وقد تهرب عن طريق إغراق أفرادها في مستنقعات المذهبية والطائفية والتطرف والتشدد الديني ، وقد تهرب عن طريق تعليق فشلها وإخفاقاتها وانتكاساتها على الآخرين ( نظرية المؤامرة ) ، وقد تهرب عن طريق إدخال أفرادها في نقاشات وجدالات فرعية تبعدهم عن مناقشة واقعهم المؤلم والمأساوي وعن حالة الفشل والتخلف التي يعيشونها ، وإن تعددت وتنوعت طرق الهروب من المواجهة وتصحيح المسار ، إلا أن النتيجة واحدة وهي الهروب من مواجهة الحقائق السلبية ..!!

وللأسف الشديد كل ذلك يحدث رغم أن تكلفة مواجهة الحقيقة في الوقت المناسب أقل بكثير من تكلفة الهروب من مواجهتها على كل المستويات الفردية والجماعية . بل إن الهروب من المواجهة قد يترتب عليه مضاعفة الآثار والنتائج السلبية ، بعكس الحال في حالة المواجهة في وقت مبكر بدون شك ستكون التكلفة يسيرة ومحدودة ، بعكس حال المواجهة وقد استفحلت المشكلة وخرجت الأمور عن السيطرة ، فإن التكلفة حتما ستكون باهضة ومكلفة ، وهذا هو حال المجتمعات والسلطات الفاشلة والجاهلة والمتخلفة ، فإن هروبها من مواجهة فشلها عن طريق ترحيل مشاكلها يتسبب في مضاعفة نتائجها وآثارها ، نتيجة التراكم وصولاً لحالة الإنسداد والإنفجار والخروج عن السيطرة ، وعندها تغرق أكثر وأكثر في فشلها وعجزها وجهلها وتخلفها ومشاكلها ..!!

فعلى سبيل المثال في الجانب الاقتصادي كم من المجتمعات غرقت في مستنقعات الفقر والبطالة وانهيار العملة وارتفاع الاسعار وصولاً إلى الإنهيار الاقتصادي الشامل ، وذلك بسبب هروب سلطاتها المستمر والمتواصل من مواجهة الوضع الاقتصادي المتدهور ، وعدم قيامها بإيجاد الحلول المناسبة في الوقت المناسب ، وعدم قيامها بالاصلاحات الاقتصادية اللازمة ، وعدم قيامها بواجباتها الاقتصادية تجاه مواطنيها وعملتها الوطنية ، بل قد تلجأ بعض السلطات الاستبدادية والقمعية إلى تحميل مواطنيها تبعات الوضع الاقتصادي المتدهور ، بفرض المزيد من الضرائب والجمارك والاتاوات ، ما يفاقم من أوضاعهم المعيشية ويزيدها صعوبة ومأساوية ، وقد تحقق هكذا سلطات نجاح جزئي بهكذا ممارسات وسياسات اقتصادية جائرة وسلبية ، وقد تتمكن من الاستمرار في إدارة سلطاتها باقتصاد مشلول لكن ليس لفترة طويلة ، فالاقتصاد المشلول حتما سيأتي يوم وينهار ويسقط وتتوقف دورته الاقتصادية والمالية عن الحركة كحتمية اقتصادية علمية ، وسوف تترتب عليه نتائج كارثية على كل المستويات ، وهذه هي النتيجة الطبيعية للهروب من مواجهة الحقائق في الجانب الاقتصادية على سبيل المثال ، وهكذا هو حال الهروب من مواجهة الحقيقة في كل مجالات الحياة ..!!