العملة اليمنية بين المساعدات الخارجية والمسؤوليات الحكومية !
إلى متى سيظل اليمنيون تحت رحمة الودائع والمساعدات الخارجية ؟!
التدخلات المالية السعودية الطارئة ، والتي عادة ما تأتي عندما تتدهور قيمة العملة الوطنية بشكل كبير ومتسارع ، وعلى الرغم من أنها تحد من هذا التدهور وتكبح جماح الانهيار الاقتصادي ، من الوصول لحافة الانهيار التام ، الذي تنفرط من خلاله عقد ما تبقى من مؤسسات الدولة ، إلا أن اعتماد السلطة الشرعية على مثل هكذا حلول جزئية ، لن يمنع من معاودة العملة الوطنية الانهيار مجددا ؛ إذ أن ما تحصل عليه الشرعية من مساعدات مالية طارئة ، تصرف رواتب أو تغطية المستندات التجارية ؛ لتوفير غطاء نقدي ؛ لشراء المواد التموينية الغذائية لفترة محدودة.
، وبالتالي سرعان ما يعود العجز المالي للشرعية مرة أخرى ، وتعود العملة الوطنية للانخفاض ؛ ما يعني بأن الاقتصاد اليمني لن يشهد استقرارا ولو بشكل نسبي ؛ لأن المخزون النقدي من العملات الصعبة سيتآكل ، بل سينفد ، فالدورة الاقتصادية النقدية مغلقة ومحدودة ، في ظل جفاف في مصادر التمويل الرئيسة أبرزها انقطاع تصدير النفط والغاز ، ومع وجود شبهات فساد واستنزاف للعملة الصعبة ؛ كرواتب ونفقات إقامة لمسؤولي الشرعية في الخارج ، إضافة للانقسام النقدي بين مناطق سيطرة المليشيات الحوثية ومناطق الشرعية ، وتعويم قيمة العملة الوطنية وجعلها تحت رحمة مضاربة هوامير شركات الصرافة ، التي انتشرت في جسد الاقتصاد اليمني انتشار النار في الهشيم .
الوضع الاقتصادي في اليمن سيظل بين الانهيار والتعافي الشكلي ، ما لم يتم تأمين مصادر تمويل ثابتة للسلطة الشرعية كتصدير النفط والغاز ، وما لم يتم الحد من الفساد وسيطرة البنك المركزي على سوق الصرف ، واتخاذ إجراءات تقشفية من قبيل تقليص الزيارات الخارجية لمسؤولي الشرعية إلا للضرورة القصوى ، وتقليص العاملين في السفارات والبعثات الدبلوماسية ، وعودة مسؤولي الشرعية للداخل وصرف رواتبهم بالريال اليمني ، والكف عن صرف مبالغ مالية لفعاليات ومؤتمرات داخلية وخارجية تستنزف خزينة الدولة دون أن تعود بالفائدة على اليمن ، سوى تسجيل حضورها في تلك الفعاليات والمؤتمرات .
الوضع الاقتصادى الحرج لم يعد بمقدور المواطن اليمني تحمله ، ينذر بكارثة إنسانية كبيرة ، في ظل تقليص المنظمات الدولية مساعداتها ، وانهيار العملة الوطنية ، وغياب الخدمات ، وهو ما يحتم على الشرعية اليمنية أن تشرع في إصلاحات اقتصادية وإدارية ، تبدأ من تشكيل حكومة طوارئ مصغرة تدمج فيها بعض الوزرات ، وتعاد هيكلة الحكومة ووزارتها وهيئاتها ومؤسساتها ، بما يحد من التضخم الوظيفي فيها ، فبعض الوزارات والمؤسسات الحكومية لديها عشرات الوكلاء والمستشارين ، الذين يرهقون كاهل ميزانية الدولة رواتبا بالعملة الصعبة ومكافآت ونثريات وبدلات سفر ومظهر وسكن ، كل ذلك على حساب لقمة عيش المواطنين والتزامات الدولة تجاههم ..
مهما كانت الأموال والمساعدات التي تقدم للسلطة الشرعية فإنها لن تتعدى كونها مهدئات مؤقتة وحلول تخديرية ترقيعية ؛ طالما عجلة الاقتصاد الوطني بموارده السيادية معطلة ، وطالما لم يرشد الانفاق الحكومي ، وتتخذ إصلاحات مالية وإدارية ، تكبح الفساد ، وتحد من التضخم ، وهو ما يجعل من عودة انهيار العملة الوطنية أمرا ورادا وبالتالي عودة استجداء المساعدات الخارجية .