القواسم المشتركة .. بين أتباع الديانات السماوية ..!!

10:01 2023/08/01

حتماً وبدون شك بأن هناك العديد من القواسم المشتركة في التشريعات الواردة في الكتب السماوية ، وفي مقدمتها توحيد الألوهية بل هو الهدف الرئيسي والأول لها جميعاً ، وهو القاسم المشترك الأقوى بينها ، هذا بالاضافة للتوافق فيما بينها في العديد من التشريعات الأخلاقية والسلوكية الفاضلة ، أو باختصار جميعها تدعوا للفضيلة وتنهى عن الرذيلة ، وتحث على الإيجابية والخير وتنهى عن السلبية والشر ، وتدعوا إلى عبادة الله تعالى وإن تنوعت أشكال وطرق العبادات من ديانة إلى أخرى ، من أجل ذلك قال الله تعالى (( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله )) ..!!

كل تلك القواسم المشثركة في تشريعات الديانات السماوية ، كانت كفيلة بإحداث نوع من التوافق والحوار بين أتباعها بشكل أو بآخر ، وكانت كفيلة بإحداث نوع من التآلف والتقارب فيما بينهم ، كون معبودهم واحد وإلههم واحد ، وفي أسوأ الأحوال إذا لم يكن بينهم تقارب وتوافق يكون بينهم تعايش وقبول بالآخر واعتراف بالآخر وعدم كراهية للآخر ( غير المتطرف والمتشدد ) ، وهذا يدفعنا لطرح سؤال مهم جداً وهو لماذا إذن حدثت ولا تزال تحدث كل تلك العداوات والصراعات بين أتباع الديانات السماوية ، والجواب بكل بساطة هو عدم إلتزامهم بما ورد في كتبهم السماوية وإتباعهم لأهوائهم ونزواتهم وأطماعهم ، ما ترتب عليه تحريف العديد من التشريعات السماوية الواردة في الكتب المقدسة ..!!

فلم يتردد بعض رجال الدين والسلطة في بعض الديانات السماوية ، وبدافع الخوف على مصالحهم الشخصية وأطماعهم السلطانية ، والتعصب لأهوائهم الفكرية ، من صناعة العداوة والكراهية ضد الآخر الديني ، وذهبوا بعيداً في تشويه الديانات السماوية الأخرى وصولاً إلى إنكارها وجحودها والكفر بها جملةً وتفصيلاً ، ولم يضعوا للقواسم المشتركة بين الديانات السماوية أي وزن أو اعتبار ، فلم يترددوا في قتل بعضهم البعض ، وفي شن الحروب الوحشية ضد بعضهم البعض ، تحت تأثير التعبئة الدينية الخاطئة المشحونة بالتعصب والكراهية والتشدد والتطرف الديني ، التي تتجاوب مع سياسات ومصالح أصحاب الأطماع التوسعية والاستعمارية من القادة والسلاطين والأباطرة ..!!

فكم شنت من حروب استعمارية وتوسعية وسلطوية فيما بين أتباع الديانات السماوية ( الحروب الصليبية إنموذجاً ) ، وكم تمت من تصفيات عرقية وجرائم وحشية من جهات عنصرية ومتعصبة ضد الآخر الديني ، وللأسف تم تغليفها بغلاف ديني لتتحول من حروب وجرائم وحشية إلى حروب مقدسة ، وبهذا الشكل تم استغلال الديانات السماوية استغلالاً سلبياً لمصلحة السياسة والسلطة والحكام والأطماع التوسعية ، وهكذا ممارسات تسببت في إثارة المزيد من الأحقاد والكراهية بين أتباع الديانات السماوية ، وكل ذلك للأسف بإسم الدين رغم براءة الأديان السماوية من كل ذلك ، فلم تدعوا الأديان يوماً لشن الحروب العدوانية ضد أتباع الديانات الأخرى ، ولم تدعوا يوماً إلى ممارسة الجرائم الوحشية والتصفيات العرقية والدينية ضد الآخر الديني ، قال تعالى (( إن الله لا يحب المعتدين )) ..!!

كل ذلك يؤكد بأن الأطماع التوسعية والسلطانية والاستعمارية هي الدافع الرئيسي لصناعة الكراهية والعداوة بين أتباع الديانات السماوية ، وقيام رجال الدين بتفسير وتأويل النصوص الدينية خارج سياقاتها اللفظية والمعنوية واللغوية ، هو ما ساعد رجال السياسة والسلطة وقادة الحروب في تغليف أطماعهم وسياساتهم وحروبهم بغلاف ديني ، وهو ما جعل كل تلك الحروب تظهر بمظهر ديني ، رغم أنها حروب توسعية واستعمارية ولا علاقة للدين بها ، فلا يوجد أي نصوص دينية سماوية صريحة تبيح سفك الدماء بدون حق ، أو تبيح الاعتداء على الآخرين ونهب أموالهم وهتك أعراضهم واستحلال نسائهم ، وإجبارهم على ترك دينهم واعتناق ديانة أخرى ، فالتشريعات السماوية تدعوا إلى المحبة والتسامح والتعارف والتعايش السلمي والحرية الدينية ، قال تعالى (( لا إكراه في الدين )) ..!!

إذن بالإمكان إقامة جسور للتعايش والتعارف والتوافق بين أتباع الديانات السماوية عبر الحوار الديني والحضاري ، وما يشجع على ذلك هو وجود العديد من القواسم الدينية المشتركة فيما بينهم ، ( التعايش السلمي بين المسلمين والأقباط في مصر ، وسماح السلطات الأوربية ببناء المساجد وممارسة المسلمين لطقوسهم الدينية إنموذجاً )  وستكون الحجج والبينات والدلائل العقلية والمنطقية والعلمية والآيات الكونية المحسوسة ، هي ميدان الحوار والنقاش في دعم وتأييد القواسم المشتركة ونقاط التوافق ، وفي تقريب وجهات النظر بشأن نقاط الخلاف ، وفي التخفيف من تراكمات وترسبات العداوات والأحقاد الناتجة عن الحروب والصراعات السلطوية والتوسعية والاستعمارية السابقة ، وفي التخفيف من الخطاب الديني المتشدد والمتطرف بين أتباع الديانات السماوية ، لكن يبدو أن هكذا قراءة لا يزال أمامها الكثير من العقبات والعوائق ، وذلك في ظل سيطرة وهيمنة أصحاب الخطاب الديني المتشدد والمتطرف على المشهد السياسي والديني ..!!