الكهانة .. أفكار سلبية وأساليب غير إنسانية ..!!

07:57 2023/07/27

الكهانة مهنة من أقدم المهن التي عرفها الإنسان ، وهي مهنة من لا مهنة له ، وتقوم على التجارة بحاجات الإنسان الروحية ( الدين ) ، وكان الكهنة في الأزمنة الغابرة يصنعون الآلهة بأيديهم ويضعون الشرائع والعبادات ويفرضون الطقوس الدينية من وحي عقولهم ، وحتى يضمنوا رواج تجارتهم واستمرارية أرباحهم ، كانوا يلجأون لصناعة الخرافات والأساطير الخارجة عن حدود القدرات العقلية ، وقد كان دور الكهنة قديما محصور في خدمة الآلهة واستقبال النذور واقامة الطقوس داخل المعابد ، وبعد ظهور الدولة تطور دورهم وتوسعت صلاحياتهم بدعم من السلطات الحاكمة ، بهدف السيطرة على الجماهير وتسخير الدين في خدمة تلك السلطات ، عن طريق صناعة هالات من القداسة والتعظيم حول شخص الحاكم ، ومنحه بعض أو كل صفات الآلهة ، ليصبح الحاكم الإله أو إبن الإله أو ممثل الإله ، ما يضمن له الولاء والسمع والطاعة من جميع رعاياه ، وفي نفس الوقت كانوا يضعون التشريعات التي تشرعن للعبودية وتسلب الناس حرياتهم وكرامتهم وتصادر حقوقهم ، لتهيئتهم نفسياً للقبول بكل الممارسات السلبية والتسلطية الصادرة من السلطة دون مقاومة ، والقبول بدورهم في هذه الحياة مجرد عبيد في خدمة الحكام والكهنة ..!!

ولم يتردد الكهنة يوماً عن استخدام كل الوسائل حتى المحرمة منها ، التي قد تساعدهم في استغفال العقول والتحكم بها بما فيها السحر والشعوذة والخرافات والاساطير ، فدائماً ما كانت مراكز وأماكن الكهانة مرتبطة ارتباط مباشر بكل الأعمال الشريرة الخارجة عن المألوف وعن الواقع وعن العالم المادي المحسوس ، ورغم التشريعات الكثيرة التي جاءت بها الأديان السماوية والتي تحارب الكهانة كمهنة وكسلطة دينية ، وخصوصا الدين الإسلامي الذي لا مكان ولا وجود للكهانة في تشريعاته واحكامه ، لأنه قد جعل العلاقة بين الله تعالى وبين عباده علاقة مباشرة لا تحتاج لوسطاء ولا كهنة ، قال تعالى (( وقال ربكم ادعوني استجب لكم )) ، إلا أنه وللأسف الشديد استمرت مهنة الكهانة بإسم الدين بصورة أو بأخرى ، ليجعل الكهنة من أنفسهم وكلاء الله في الأرض والمدافعين عن دينه وحرماته وحدوده ، والمخولون دون غيرهم في تفسير وتأويل الكتب المقدسة ..!!

فكهنة اليهود قالوا إنهم أبناء الله وأحباؤه ، وكهنة النصارى قالوا إنهم ممثلوا الله في الأرض ، والكهنة في بعض الفرق الإسلامية قالوا إنهم ظل الله في الأرض ، وجميع الكهنة من مختلف الديانات السماوية قد اتفقوا على أن الله تعالى اصطفاهم دون غيرهم للقيام بحماية الدين وحراسة الفضيلة ، وفي سبيل تحقيق تلك المهام من وجهة نظر الكهنة فقد اتفقوا على أنه لا مشكلة من مصادرة حقوق وحريات الناس بإسم الله إذا تعارضت مع توجهاتهم وسياساتهم وأهدافهم وغاياتهم ، ومن النقاط المشتركة بين الكهنة نشر ثقافة الكراهية والعداء لأتباع الأيان الأخرى والمذاهب الأخرى ، واستنفار الأتباع لقتال الآخرين بإسم الجهاد المقدس ، ومنحهم صكوك الغفران ومفاتيح الجنة لتشجيعهم والدفع بهم لمواجهة المنافسين والمخالفين لهم ..!!

وبذلك فإن للكهانة وجوه كثيرة ، ولها صفات وسمات متعددة وإن اختلفت المسميات وتنوعت الدعوات والديانات ، ولم يعد من الصعب التعرف على الكهنة في كل العصور والأزمان ، فالترويج لثقافة الاصطفاء الإلهي والتمييز العنصري بين البشر كهانة ، والإدعاء بالوكالة عن الله في أرضه والحق في محاسبة ومعاقبة البشر ومصادرة حقوقهم وحرياتهم كهانة ، والترويج للخرافات والأساطير وجعلها جزء من المعتقدات الدينية كهانة ، ونهب أموال الناس وفرض الجبايات الباهضة عليهم بإسم الله كهانة ، والدعوة لعداوة الآخر الديني والمذهبي ونشر ثقافة الكراهية والعنف كهانة ، ومنح الحاكم هالات من القداسة والتعظيم كهانة ، ونشر ثقافة العبودية والخضوع والاستسلام والطاعة العمياء للحاكم كهانة ، وتوزيع صكوك الغفران ومفاتيح الجنة على الأتباع وتكفير الآخرين كهانة ..الخ ..!!

لذلك على الإنسان المسلم أن يكون واعياً ومفكراً ومدركاً لما يدار حوله وما يحصل في محيط مجتمعه من متغيرات وأحداث ، حتى لا يجد نفسه وهو داعية للكهانة أو مروج لها أو من المؤيدين لها أو من أتباعها وأعوانها ، لأن الكهنة في كل زمان ومكان يعملون على استغفال العقول وتعطيلها عن التفكير والتدبر والبحث وتضليلها وتشويشها حتى لا ترى الحقيقة ، فلا كهانة ولا وساطة بين الله تعالى وعباده في الإسلام مطلقاً ، ولا مكان في الاسلام للخرافات والأساطير المتعارضة مع الشرع والعقل والعلم والحقائق الكونية المحسوسة ، بل انه دين التقوى والعقل ، والبحث العلمي ، والحرية ، والكرامة ، والحقوق ، والحوار ، والتسامح ، والرحمة ، والمساواة بين البشر ، والقبول بالآخر ، والتعايش السلمي مع الآخر ، والتعارف الإيجابي مع الآخر ، والتعدد والتنوع الديني والمذهبي ، والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والقدوة ، إنه دين الإنسانية والإيجابية والفضيلة ..!!