وداعا محمد يحي شنيف  ،الكاتب والسياسي القدير

10:37 2023/07/26

بعد معاناة طويلة بعيدًا عن وطنه، غادرنا في رحلته الأخيرة منتصف ليلة الاثنين الماضي الكاتب والسياسي والصديق العزيز الأستاذ القدير محمد يحيى شنيف، بعد عقود من العمل في المجال الصحفي والسياسي والوظيفة العامة. 

تلقيت الخبر على الصعيد الشخصي بقلب مكلوم وحزن دفين فاض منه الدمع وتاججت مشاعر الفقد ووجع الرحيل لإنسان وكاتب وسياسي قدير. هذه المصائب لا تأتي فرادى، ففي كل يوم ومع هموم الوطن وشجونه وأحزانه، تلتهم منا ديار الاغتراب والمنافسة في كل أسبوع رحيل قامات اليمن الغالية وهماتها التي لم تفرط يومًا بانتماءها إلى يمن عزيز يسكن في سويداء القلوب.

ولكننا لا نقول إلا ما يرضي الله، فالموت حق والراجل مكتوب لكن نبقى نحن عبيد الله عاجزون أمام حقيقة الموت الذي يداهمنا على حين غرة بعيدًا عن تراب الوطن. 

الأستاذ محمد هامة صحفية وإعلامية جديرة بالوقوف أمامها بكل احترام لما لها من ذكرى طيبة ومواقف لا تزال ماثلة أمام العيان بصفاتها الجميلة هدوء ورزانة ودماثة خلق مع كفاءتها ونشاطها الذي لم يتوقف رغم مرضها وتوجعها. 

لقد عانى كثيرًا خلال الفترة الماضية من آلام وأحزان كثيرة، فارق وطنه الذي ظل يمني النفس بعودته مستقرًا آمنًا دون جدوى، ثم اختطف الموت شريكة حياته قبل عامين هنا في القاهرة، مما زاد من أوجاعه وضاعف أحزانه، لكن الموت ترقبه حتى طوى صفحة شخصية نادرة وقلم مميز اعتبره واحدًا من أهم وأبرز الكوادر الإعلامية والحزبية الرائدة. 

كان الراحل دائمًا متفاعلًا وحماسيًا ومشاركًا ومتحدثًا بافكاره الرصينة والحكيمة، حريصًا على وطنه ووحدته وأمنه واستقراره ومنجزاته الكبيرة ومكتسباته العظيمة. 

كنا نعده من خيرة القياديين في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي حرص حتى سنواته الأخيرة أن يظل قائمًا بوحدته التنظيمية ورؤاه النافعة وأهدافه الحيوية. 

جمعتني بالراحل لقاءات من وقت لآخر في القاهرة والتي نعتبرها بلدنا الثاني بعد اليمن خاصة وأن الأستاذ محمد درس وعاش فيها أجمل أيام حياته، وله فيها ذكريات كبيرة. 

كنا نلتقي بين الحين والآخر لنتبادل الهموم أو لتجمعنا بعض الفعاليات الوطنية والتنظيمية، وكان دومًا كما عرفته صريحا إيجابيًا نقيًا وصادقًا في آرائه وأفكاره، يحمل هم اليمن ويتوق إلى عودة السلام والأمن والاستقرار في عموم الوطن. 

تعرفت على الأستاذ شنيف قبل نحو أربعة عقود في بداية الثمانينات، وكان رجلاً هادئاً ووقوراً. كان إعلامياً متميزاً وعروبياً وقومياً، وكان من أبرز الداعمين للعمل الطلابي والشبابي. 

كان متحمساً لنشاط اتحاد الطلاب والعمل المدني في الجامعات، وكان لديه ذكريات في شبابه وخلال دراسته في جمهورية مصر العربية وعضويته في الرابطة اليمنية التي كانت تمثل الطلاب من جميع أنحاء اليمن. شارك معنا في اتحاد الطلاب في العديد من الأنشطة والفعاليات واهتم بتغطيتها إعلامياً، وكان يشجع دوماً على توحيد الحركة الطلابية في الدول العربية وتعميق التعاون مع دول أوروبا الشرقية لتوحيد الجهود وإنشاء اتحاد عام لأبناء اليمن. 

لقد كان له تاريخ حافل من العطاء والإنجاز في مختلف المواقع التي عمل بها، سواء خلال رئاسته لصحيفة الميثاق لسان حال المؤتمر الشعبي العام، أو من خلال ترأسه للدائرة الإعلامية والثقافية، أو عمله الحكومي الذي كان آخر عمل له نائبًا لرئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للأسمنت. 

كان من الكوادر الكفوءة والنزيهة والوطنية، وكان يحمل دوماً قيم الجمهورية والديمقراطية والوحدة. 

شارك في تأسيس العديد من المنظمات ورأس مؤسسة المسار للدراسات والأبحاث حتى وفاته. 

شاركنا معًا في تنظيم العديد من الفعاليات والندوات والمؤتمرات، وكان نجمًا بلا منازع وقدوة تنظيمية هائلة، وتحلى طوال حياته بصفات التواضع وحسن الخلق والتعامل الراقي مع رؤسائه ومرؤوسيه وأصدقائه ومعارفه، وكان ودوداً ومهذباً ومثقفاً مهتماً بالوطن. 

رحمك الله أخي القدير محمد وتغمدك بواسع الرحمة والمغفرة. 

وأود أن أشير إلى ضرورة الاهتمام والإشادة بالكوادر التي أسهمت في السياسة والإعلام والاقتصاد، وخاصة كوادر المؤتمر الشعبي العام، فلا يمكن أن ننساهم بعد وفاتهم في حين أنهم بحاجة ماسة إلى الحديث عنهم وهم لا يزالون على قيد الحياة وبصحة جيدة، حيث يتفاعلون كأنهم ولدوا للتو. أتقدم بالتعازي الحارة والمواساة لأولاده ومحبيه وأصدقائه، وقيادة وكوادر المؤتمر الشعبي العام، فرحيله خسارة كبيرة للوطن وللمؤتمر.