السلطة والمعارضة في النظرية الديمقراطية ..!!

11:18 2023/07/22

يقوم النظام الديمقراطي على جناحين سلطة حاكمة ومعارضة ناقدة ومراقبة لكل سياسات ومدخلات ومخرجات السلطة ، النقد الإيجابي البناء والهادف إلى تصحيح الأخطاء والتجاوزات والسلبيات الصادره عن السلطة الحاكمة ، لما يعود بالفائدة والخير على الوطن والمواطن والعملية السياسية ، هكذا هي رؤيه  النظرية الديمقراطية الصحيحة للمعارضة السياسية ، كأداة سياسية للرقابة والنقد والتصحيح عبر الطرق السياسية السلمية ، ويمكنها عبر الانتخابات الدورية الوصول إلى السلطة لتتحول من معارضة إلى سلطة ، ولتتحول السلطة الحاكمة السابقة إلى معارضة ، بهدف صناعة نوع من التنافس الايجابي بين القوى السياسية الفاعلة في المشهد السياسي ، يدفع بالجميع نحو التنافس لتقديم الأفضل في خدمة الوطن ..!!

وأي فهم للنظرية الديمقراطية بصورة ناقصة ومغلوطة ، لا يمكن أن يشوه هذه النظرية أو يغير من مبادئها الحضارية والمدنية والسلمية ، وأي فشل للديمقراطية في أي دولة ليس فشلاً للنظرية الديمقراطية ذاتها ، بل هو فشل القائمين عليها أو نتيجة سوء تطبيقها وتنفيذها على أرض الواقع ، أو بسبب تدني مستوى وعي وثقافة المجتمع ، فالديمقراطية تعبير عن مستوى راقي من الوعي والثقافة ، مستوى يكون فيه الإنسان قد تجاوز كل التعصبات السلبية التي تقيد الفكر الإنساني في مساحات ضيقة وزوايا حرجة ، تفقده القدرة على التمييز بين الجيد والسيئ بين الصواب والخطأ ، مستوى يجعل الإنسان يبحث فقط عن أفضل البرامج السياسية التي يمكن أن تقدم أفضل الخدمات للوطن ..!!

وكل ذلك لا يعيب الديمقراطية ولا ينتقص من شأنها كأفضل نظرية سياسية توصل لها الفكر السياسي البشري ، ساهمت بشكل كبير في انتقال سلس للسلطة بين القوى السياسية بالطرق السلمية ، بعيداً عن العنف والفوضى وسفك الدماء والاستبداد والتسلط ، وإذا كان هناك عيب للنظرية الديمقراطية فهو يكمن في نظرتها المثالية للإنسان ، والتي ترى فيه الإنسان الواعي والمثقف والمتحرر من قيود التعصبات السلبيه بكل أنواعها والمصالح الضيقة بكل أشكالها ، والباحث عن أفضل البرامج السياسية القادرة على تقديم الأفضل للوطن والمواطن ..!!

كما أنه لا يعيب الديمقراطية سياسات بعض السلطات الحاكمة السلبية والعدائية ضد المعارضة في بعض الدول ، عن طريق تضييق مساحات الحرية والرأي والنقد ، ومضايقة رجال الفكر والإعلام والصحافة ، ولا يعيبها ممارسات المعارضة السلبية ضد السلطة ، عن طريق المبالغة والتهويل لتجاوزاتها وأخطائها ، بهدف تشويه صورتها وليس بهدف التصحيح ، وكذلك قيام المعارضة بالنقد السلبي الهدام ، والذي بترتب عليه استعداء السلطة والدفع بها للانتقام منها  وصولاً إلى إغراق الوطن في مستنقع الفوضى والعنف والعنف المضاد , كما هو حال الكثير من دول العالم الثالث ..!!

ولو تدرك السلطات الحاكمة أهمية المعارضة السياسية لتوقفت على الفور عن مضايقتها ، ولفتحت المجال أمامها للقيام بدورها في النقد والمراقبة بهدف كشف مكامن الخلل في عملها السياسي والاداري والاقتصادي ، من أجل العمل على تصحيحه قبل استفحال الامور وخروجها عن السيطرة ، فما توفره المعارضة من كم هائل من المعلومات والبيانات يستحق الاشادة والشكر ، خصوصاً أنها تقوم بذلك بصورة مجانية ، وهكذا معلومات لن تحصل عليها السلطة عبر أجهزتها الرسمية إلا بتكاليف مالية باهضة ، وفي حال توفر عناصر حكومية نزيهه ، وهو ما قد يصعب توفره ، فعادةً ما تحرص العناصر الحكومية والرسمية على رفع تقارير غير دقيقة ، في محاولة منها لتغطية السلبيات والمبالغة في الايجابيات ..!!

ولن أبالغ إذا قلت بأن السلطة الحاكمة التي تتمتع بشيء من المثالية والموضوعية ، لن تتردد في قراءة كل ما يصدر عن المعارضة من نقد بإيجابية ، واستغلاله الاستغلال الأمثل لتصحيح سلبياتها وتجاوز اخفاقاتها ، وهكذا وضع يجسد الصورة المثالية للتفاعل والتعاون بين السلطة والمعارضة في النظرية الديمقراطية ، وأي عداء وصراع سلبي بين السلطة والمعارضة هو نتيجة المزاجية والعشوائية وعدم الفهم الكافي للديمقراطية ، وبذلك فإن النظرية الديمقراطية تفرض على السلطة احترام رأي ونقد المعارضة الايجابي ، والاستفادة منه لتصحيح مكامن الخلل ، وفي نفس الوقت تفرض على المعارضة تبني مواقف ايجابية وموضوعية حول تجاوزات السلطة بهدف تصحيحها وليس بهدف التشهير والتشوية السلبي للسلطة ، والذي قد يقود السلطة والمعارضة لمربعات العنف والفوضى ..!!

وحتى تضمن النظرية الديمقراطية إتاحة مساحة واسعة من الحرية والمساواة لجميع الأطراف ، فإنها قد قررت منح السلطة القضائية والتشريعية الاستقلالية الكاملة ، ونزعت مصادر القوة من يد السلطة ، حيث منحت قوات الجيش والأمن  الحيادية والاستقلالية وعدم التدخل في العملية السياسية ، والالتزام بتطبيق النظام والقانون ، والحفاظ على سيادة واستقلال الوطن ، وعدم السماح للقوى السياسية الفاعلة في المشهد السياسي من الدفع بالوطن نحو الانزلاق إلى مربعات الفوضي والعنف ، وهكذا وضع سياسي مثالي يجعل السلطة والمعارضة في حالة من تكافؤ الفرص والأجدر والأكفاء هو من يمتلك البرنامج السياسي الأفضل القادر على إقناع الناس وكسب تأييدهم والحصول على أصواتهم في الانتخابات ، وهنا تتجلى مثالية الديمقراطية في نظرتها للسلطة والمعارضة ..!!