القراءة الصحيحة للتاريخ .. الطريق نحو مستقبل أفضل ..!!

04:15 2023/07/19

التاريخ هو السجل المدون والمكتوب على صفحات الكتب والمجلدات ، والشاهد الوحيد على الأحداث الكثيرة والمتنوعة التي عاصرها الإنسان على ظهر كوكب الأرض ، منذ أن رسم الإنسان البدائي النقوش الرمزية على الصخور والأحجار ( لغة الرموز ) ، وحتى تمكن من الكتابة والتدوين بالحروف والكلمات ( لغة الحروف ) ، وكان ولا يزال وسيظل التاريخ هو أكبر وأعظم مدرسة تعلم ويتعلم منها الإنسان الكثير من العظات والعبر والدروس ، لمواجهة الأحداث والقضايا التي تواجهه خلال حياته ، حتى لا يكرر أخطاء السابقين ، ولكي يستفيد من إيجابياتهم ويتجاوز سلبياتهم ، فعادةً ما يعيد التاريخ نفسه بصورة أو بأخرى ، فالذكي والعاقل هو من يأخذ العظة والعبرة من قصص التاريخ خلال حياته العملية ، حتى الكتب السماوية أفردت مساحات واسعة من صفحاتها للقصص التاريخية ، لما لها من أهمية كبيرة في إيصال الرسالة بطريقة عملية ومبسطة ..!!

وللأسف الشديد رغم الأحداث التاريخية المأساوية التي خلفتها الصراعات والحروب بين البشر ، وتأثيراتها السلبية الفادحة على مسيرتهم الحضارية ، إلا أنهم لم يتعظوا أو يعتبروا من ذلك ، بل زادت وتيرة الحروب والصراعات فيما بينهم مع مرور الزمن ، وتعاظمت خسائرهم المعنوية والبشرية والمادية نتيجة تطور الأسلحة المستخدمة فيها ، لتصل تلك المأساة مداها خلال الحرب العالمية الثانية في عقد الأربعينات من القرن العشرين الماضي ، حين فقدت البشرية أكثر من ثلاثين مليون إنسان وعشرات الملايين من الجرحى والمشردين ، ومئات المدن المدمرة ، بعد أن تمكن الانسان من صناعة الأسلحة المتطورة القادرة على تدمير المدن على ساكنيها ، ولتنتهي تلك الحرب بواحدة من أكبر الكوارث الانسانية غير الطبيعية ( القنبلة النووية ) ..!!

لتتوقف الحرب العالمية الثانية لكن للأسف الشديد لم يتوقف البشر عن صناعة الأسلحة الفتاكة ، بل لقد دخلوا مرحلة جديدة في هذا المجال وهي مرحلة سباق التسلح بين الغرب بقيادة أمريكا والشرق بقيادة السوفيت ، وصولاً إلى صناعة قنابل هيدروجينية تمتلك قوة تدميرية هائلة تعادل مئات المرات قدرة القنابل النووية ، والشاهد من كل ذلك هو أن البشر لم يأخذوا من التاريخ العظة والعبرة من النتائج الكارثية للحروب والصراعات فيما بينهم ، فها هي نذر حرب عالمية ثالثة على الأبواب نتيجة تهور الرئيس الروسي وهجومه على أوكرانيا ، كل ذلك إرضاء للغرور والغطرسة دون مراعاة للعواقب الوخيمة لهكذا فعل عسكري حربي على حياة البشر ومسيرتهم الحضارية ..!!

وليس ببعيد حال الأمة الاسلامية فرغم مرور مئات السنين منذ نشوء أول خلاف سياسي بين صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وما ترتب عليه من خلافات وصراعات وحروب ، إلا أنهم لم يأخذوا العظة والعبرة والدروس اللازمة من تلك الأحداث المأساوية ، لكي يتمكنوا من تجاوز سلبياتها ، التي صنعت الكثير من الجروح والندوب في جسد الأمة ، وصنعت الشقاق والخلاف والكراهية والعداوة بين أبنائها ، بل للأسف لا تزال هناك بعض الأطراف التي تعمل بشكل متعمد ومقصود على تعميق تلك الجراحات والندبات وتوسيع هوة الشقاق والخلاف بين أبنائها ..!!

كل ذلك رغم أن التاريخ قد روى لنا الكثير من القصص والأحداث التي تؤكد بأن الخلافات البينية هي سبب الضعف والهوان على كل المستويات ،، وأن القوة والعزة والمنعة هي نتاج التقارب والتآلف وتجاوز الخلافات السابقة ، فليس من مصلحة الأمة شرعاً ولا عقلاً الوقوف عند نقطة خلاف معينة ، والعمل على تضخيمها وتعميقها وتجديدها ، فوقوف أمة عند محطة تاريخية سابقة والدوران حولها ، حتماً سوف يترتب عليه تأخير مسيرتها الحضارية ، ولو أن أبناؤها قرأوا التاريخ بصورة صحيحة وأخذوا العظة والعبرة والدروس منه ، لكان حالهم أفضل ، ولما كرروا أخطاء السابقين وخلافاتهم وانقساماتهم ، ولتجاوزوا كل السلبيات وتوحدوا حول الايجابيات ، وتركوا خلافات الماضي خلف ظهورهم ويمموا وجوههم نحو المستقبل ، وشتان بين أمة يتطلع أفرادها نحو المستقبل والعلم والتكنولوجيا والحداثة ، وبين أمة لا يزال أفرادها مرتبطين بالماضي وأحداثه ومآسيه ..!!