الـ17 من يوليو ومراحل التحول

05:47 2023/07/16

قبل يوم السابع عشر من يوليو 1978، كانت الجمهورية العربية اليمنية متواجدة في العاصمة صنعاء فقط، ونفوذها محصورا في أماكن معدودة، ولا وجود لملامح الدولة في باقي مدن ومحافظات الشمال.

 وبعد انتخاب المقدم علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية العربية في الـ17 من يوليو 1978، من قبل مجلس الشعب التأسيسي، شهد اليمن الشمالي تحولاً سياسياً كبيراً على كافة الأصعدة، حيث أسس الرئيس علي عبد الله صالح لدولة النظام والقانون وبسط نفوذ الدولة على كامل التراب الوطني، وعمل على القيام بمسؤولياته والتزاماته تجاه ما تتطلبه المرحلة وما يطمح إليه اليمنيين 
إن الـ17 من يوليو يُعد منعطفا تاريخيا مهما في تاريخ اليمن والمنطقة العربية برمتها، حيث نقل اليمن من عُزلتها الدولية وصراعاتها الداخلية إلى التنمية والإنفتاح نحو دول العالم التي باركت قيام دولة الجمهورية العربية اليمنية.


لم يكن السابع عشر من يوليو يوماً عادياً، بل كان حدثاً تاريخياً ووطنياً هاماً، شكل علامة فارقة لمراحل عديدة من التنمية المستدامة والعمل الدؤوب الذي أفضى إلى ولادة عهد جديد لدولة عانت من ويل الصراعات الإمامية الرجعية والتعقيدات السياسية لقرون من الزمن. 


وتؤكد الأرقام على الأرض أن الرئيس علي عبد الله صالح نقل بلداً مفتتاً وممزقاً ومثخناً بصراعات لا نهاية لها، وبجراحات الفقر والجهل والمرض، إلى بلد ينمو بعجلة التنمية، في مهمة شبه مستحيلة، فكان لليمن ما كان من تقدم وازدهار في حقبة زمنية قصيرة جداً غيرت نظرة الإقليم والعالم نحوها وجعلت من اليمن دولة ذات سيادة وقيمة وجودية لم تحظ بها من قبل.


لقد أصبحت السياسة اليمنية في ظل قيادة الرئيس علي عبد الله صالح محوراً فكرياً في عهد اليمن المعاصر، مهما تنوعت مواضيعها وتعددت أبعادها الإجتماعية والواقعية، حيثُ جنحت سياسة البلد إلى الحداثة والتنويع في مناقشة الكثير من الملفات العربية والمحلية، وعبرت عن الأطروحة السياسية لشكل النظام السياسي في اليمن بطريقة مباشرة، لذلك نقول: بأن السياسة في اليمن كانت حاضرة في كل الخطابات التي تعكس نثرية الواقع والتفاوت الإجتماعي وأذابت تناحر العقائد والإيديولوجيات وركزت على الرهان السياسي من خلال نقد الواقع السائد وتصحيح الأخطاء وإستشراف الممكن السياسي.
إستطاع صالح، خلال أولى مراحل حكمه، أن يُقرب جميع وجهات النظر بين الأطراف المتناحرة التي ظلت على خلاف طوال فترات تعاقب حكم رؤساء اليمن السابقين. وهذه الخطوة كانت بمثابة نقطة انطلاق لترسيخ وتجسيد روح الإخاء والمحبة بين الفرقاء السياسيين والعمل تحت مظلة الدولة. وكان لا بد من حل مثل هذه العُقد والعراقيل لضمان بسط الدولة نفوذها على كامل أراضيها. 


وفعلاً، وبعد تجاوز الخلافات الداخلية، بدأ انتشار الأمن في أرجاء البلد، وبدأت ملامح الدولة تظهر في العاصمة صنعاء وبقية المدن اليمنية، وبدأ تدشين المشاريع من طرق ومصانع وكهرباء ومياه، ودخول اليمن في سوق النفظ والغاز العالمي وفتح المجال للاستثمار المحلي والأجنبي وإقرار حرية الاقتصاد اليمني، وبدأ العمل في قانون الصحافة والمطبوعات والسماح لها بالنشر، ثم إقرار حرية تأسيس الأحزاب والمنظمات الجماهيرية، وأصبح لليمن حدودها المعروفة واتفاقيات حدودية مع دول الجوار، لتحقق الجمهورية العربية بقيادة صالح فضاء الحرية والتعددية السياسية وتدفن عقودا من الجهل والتخلف خلفها.


ولعل أبرز ما حققه الرئيس علي عبدالله صالح في مسيرته التي توصف بالمسيرة الذهبية، مقارنة بمن أتى من بعده، تحقيق الوحدة اليمنية المُباركة والاستقلال بالقرار السياسي لليمن، وبناء جيش وطني قوي ونهج ديمقراطي بسقف عال جداً وتداول سلمي للسلطة وتعددية حزبية وسياسية ضمنت للجميع حرياتهم وحقوقهم.


وحين بلغت تجربة الديمقراطية في اليمن شأناً محلياً وإقليمياً ودولياً في مقاربة قضايا المجتمعات العربية الحساسة، كقضايا الحرية والسلطة والتحزب والمشاركة السياسية وسواها، كانت العديد من الأنظمة تتخذ تجربة اليمن نموذجاً يحتذى به. هذا لأن النظام السياسي لليمن اتخذ من سياسته مساراً وطنياً يتمثل في مجابهة الجماعات المتطرفة التي استهدفت تغريب المجتمع العربي واستغلاله وتجهيله وإفساده. كما اتخذ مساراً قومياً للدفاع عن القضية الفلسطينية والدعوة إلى الوحدة العربية والإسلامية. وكان اليمن حاضراً في كل المحافل الدولية بصوته العربي العالي الذي كان واقعياً في نقد القضايا الشائكة والحقوق المهدورة ويوجد الحلول، ويبرع في تشخيص الواقع السياسي للمنطقة ويعالج بأطروحاته كلا من التنتهازية الوصولية وانتهاك حقوق الإنسان للمواطن العربي.


وبعد تسليم الرئيس علي عبد الله صالح السلطة سلمياً، شهد اليمن تعفناً على جميع المستويات، ولاسيما المستوى السياسي، نظراً لغياب حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية وإفراغ المجتمع من نخبه وكوادره، وفشل كل التجارب والحلول السياسية المستوردة، وتفشي ظاهرة الانتهازية الوصولية والتسلق المنفعي على حساب المبادئ والقيم الكيفية، وتوالي هزائم هادي والعليمي ونوابه وكذا مليشيا الحوثي والانتقالي، وانتشار القمع بشكل مستمر. كل هذا وأكثر جعل السياسة في اليمن تعكس هذا الواقع بطريقة بارودية ومحاكاة ساخرة قائمة على السخرية والنقد والفضح والهجاء وتعرية الذات والساسة معاً.