المواقف العاطفية والانفعالية .. لا تعيد حقاً ولا ترفع ظلماً .. ( القضية الفلسطينية إنموذجاً ) ..!!

09:27 2023/05/18

في كل مرة تتوجه فيها الأنظار نحو القضية الفلسطينية ' يتجلى بوضوح للباحث والمتابع للشأن العربي مدى عاطفية وإنفعالية الشعوب العربية ' فبقليل من الدراما والبيانات والخطابات العاطفية يمكن السيطرة عليها والتحكم بها وتوجيهها بما يتوافق مع سياسات ومصالح السلطات الحاكمة في الدول العربية ' فكم من القيادات ارتقت إلى مكانة الزعامة ' وكم من الأحزاب والجماعات ارتقت إلى قمة السلطة ' وكم من الجمعيات والدعاة والساسة جمعوا الثروات الطائلة ' وهم يهتفون ويزايدون ويتاجرون بالقضية الفلسطينية ' مستغلين الحالة العاطفية والانفعالية للشعوب العربية ' ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ' فقد دخلت على هذا الخط قوى إقليمية فاعلة كتركيا وإيران ' وحققت الكثير من المكاسب السياسية والتوسعية في المنطقة العربية على حساب القضية الفلسطينية ..!! 
 
وبذلك لم تتوقف حالة الهتاف والمزايدة والمتاجرة بالقضية الفلسطينية على المستوى القومي العربي ' بل توسع مداها على المستوى الاقليمي ' ولا يستبعد مستقبلاً أن يتوسع هذا المدى ليشمل دولاً عالمية كروسيا والصين وهي تهتف وتزايد وتتاجر بالقضية الفلسطينية ' في سبيل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وتوسعية في منطقة الشرق الأوسط ' ولذلك لن نبالغ إذا قلنا بأن القضية الفلسطينية هي أغلى قضية في مزاد لمتاجرة بالقضايا الوطنية والقومية.والانسانية ' وللاسف الشديد لم يستفد الشعب الفلسطيني من كل تلك الهتافات والمزايدات والمتاجرة بقضيتهم بشيء . وهذا هو الواقع فالمواقف العاطفية والإنفعالية وحدها لا تستطيع إحداث أي تغيير على أرض الواقع ' كما أن الهتافات والمظاهرات والتنديدات والخطابات لا تعدو أكثر من ظاهرة صوتية مؤقتة سرعان ما يتلاشى أثرها مع مرور بعض الوقت ..!! 
 
وعندما تخاطب الشعوب العربية بالعقل وتواجهها بالحقيقة وتبين لها حالة التناقض والفشل التي تعيشها ' وتبين لها بأن هناك الكثير من الأحزاب والجماعات والدول تتاجر وتزايد بالقضية الفلسطينية وتستغلها لتحقيق مصالحها السياسية واطماعها التوسعية ' وتبين لها بأن العواطف والانفعالات الآنية لا يمكن من خلالها استعادة أي حق أو رفع أي ظلم ' وأن الطريق لتحقيق ذلك هو طريق العقل والعلم والعمل والتكاتف والتآخي وإصلاح ذات البين والإلتفاف حول الهوية والقومية العربية ' ولا يمكن تحقيق ذلك بدون المطالبة بحقوق وحريات الشعوب العربية ' فلن يستعيد الشعب العربي الفلسطيني حقوقه وحرياته وأرضه ' ولا تزال هناك شعوب عربية مضطهدة ومستعبدة من أنظمة حكم قمعية واستبدادية ' لأن المظلوم والمضطهد والمستعبد لا يمكن أن ينصر غيره قبل أن ينتصر لنفسه ..!! 
 
وأول خطوة لنصرة الشعب الفلسطيني تكمن في مواجهة كل من يزايد ويتاجر بالقضية الفلسطينية وإيقافه عند حده وفضح اساليبه ووسائله ' بمن في ذلك الفصائل الفلسطينية المسلحة التي ترتبط بمشاريع خارجية وتتحرك بالوكالة عنها ' على حساب تضحيات ودماء الشعب الفلسطيني ' وذلك من خلال قيامها باطلاق بعض الصواريخ التي تتسبب في إحداث بعض الأضرار الطفيفة في مناطق الطرف الآخر ' والتي تعطي ذلك الطرف الذي يمتلك القوة التدميرية الكبيرة  المبررات الكافية لقصف وتدمير المدن الفلسطينية وقتل واصابة الألاف من المدنيين الفلسطيين ' في معادلة غير متكافئة على الإطلاق لا يمكن أن يقبل بها شرع ولا عقل ' ويمكن تمريرها وتبربرها والقبول بها فقط عند الشعوب العاطفية والانفعالية ' فلا يمكن أن يقبل إنسان عاقل أن يقتل شخص مقابل مئات الأشخاص ' وأن يدمر مبنى مقابل مئات المباني ' فهذا هو التهور بعينه وهو الانتحار بعينه ' والمؤسف أن العاطفة والانفعال عند البعض تذهب بهم بعيداً بحيث تجعلهم يقرأون هكذا مواقف دموية ومأساوية وكارثية على أنها نصر مؤزر ' لذلك يظل العقل زينة ' ويظل العمل والتحرك وفق الأسس العلمية والعقلية والسياسية والتقنية هو طريق النصر الحقيقي ..!!