في السياسة لا صداقة دائمة ولا عداوة تدوم

03:12 2023/04/29

إن المتتبع لأوضاع الشعوب قديماً وحديثاً سيرى تقلب الأوضاع السياسية في بلدانهم فهي غير ثابتة ولا مستقرة ولكنها متقلبة ومتحركة كتحرك وتقلب الليل والنهار  وهي تسير بحسب أهواء قادة السياسية وطبقاً لمصالحهم التي تهدف إلى وصولهم إلى كراسي الحكم أولاً ثم العمل على استقرار بلدانهم والتدخل في شؤون البلدان الأخرى والعمل فيها بما يخدم مصالحهم. 
 
والمتتبع لما يدور في بلادنا على مدى ما يقارب تسعة أعوام من الحرب التي خلفت الخراب والدمار والشتات والنزوح والثارات والمأسي سيرى أنها بسبب التدخلات الخارجية.
 
إن السياسية غير ثابتة على حال واحد، سواء في اليمن أو غيرها. وللتأكيد على ذلك، علينا العودة قليلاً إلى الخلف وبالتحديد إلى الدورات الانتخابية البرلمانية السابقة. ألم يكن مرشحو الإصلاح والاشتراكي والناصري والحوثي في الدورة الأولى هم مرشحي المؤتمر في الدورة الثانية، والعكس؟ 
 
ألم يكن موقف الإصلاح والمؤتمر الموحد في عقود ما قبل رياح التغيير قد تغير إلى وقوف الإصلاح والحوثي في ساحة واحدة، وصفاً واحداً ضد المؤتمر ثم الاختلاف فيما بينهم بعد ذلك؟ ألم يكن تعيين بعض الوزراء في الحكومات السابقة مرة باسم المؤتمر ومرة باسم الإصلاح أو الاشتراكي أو الحوثي إلا دليلا على تغير المواقف؟ ألم يكن العديد من الجنوبين الذين ناضلوا وقاتلوا من أجل تحقيق الوحدة هم أنفسهم الذين تغيرت مواقفهم فجأة وأصبحوا يطالبون بالانفصال؟ ألم تكن المعارك مشتدة في نهم وعلى مشارف صنعاء التي كانت قريبة من السقوط، ثم تحولت فجأة وأصبحت على مشارف مدينة مأرب التي أصبحت مهددة بالسقوط؟ 
 
إن سقوط معسكرات واستعادة معسكرات وسقوط محافظات واستعادتها أو استعادة أنصافها يهدف إلى إطالة أمد الحرب والقتال الذي لا يخدم سوى المخططات الخارجية الهادفة إلى تمزيق الوطن وحرمان أبنائه من الاستفادة من خيراته. فهذه التدخلات الخارجية التي ترفع شعارات خدمة اليمن وحقيقتها تدميرها تحمل في ظاهرها الرحمة وفي باطنها الويل والثبور والعذاب. 
 
والمعلوم لدى الجميع أن الحرب الدائرة في اليمن حرب بالوكالة بين السعودية وإيران، واليوم تتغير المواقف ويتقارب أعداء الأمس أصدقاء اليوم، فهل سينعكس هذا التقارب والتغير في مواقفهم علي اليمن؟ وهل سيدرك اليمنيون أن أي تدخل أو تقديم دعم خارجي لم يكن لسواد عيونهم وإنما لنهب ثروات بلادهم وبأنهم وحدهم من سيدفع الثمن؟ وهل سيدركون بأن الحروب وعلى مدي التاريخ لم ولن تحسم وضعاً ولم ولن تخلق استقراراً، فالوصول إلى السلطة عن طريق الحروب لا تدوم طويلاً، والأمثلة على ذلك كثيرة فالسودان وأوكرانيا أكبر دليل على ذلك، وما يحضر لتايوان ولكوريا الشمالية والجنوبية ما هو إلا قنبلة موقتة ومؤشر لانفجار الوضع هناك.
 
إن دعوات الزعيم صالح إلى الحوار والجلوس على طاولة المشاورات وإجراء حوار يمني سعودي وحوار يمني يمني  والتي اعتبرت في ذلك الوقت خيانة، قد أصبحت اليوم حقيقة على الأرض وعملاً وطني ينفذ حرفياً كما دعا إليه الزعيم القائد، فهل حان الوقت لأن يصحو اليمنيون بكل أطيافهم ومكوناتهم شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً ويجعلوا مصلحة الوطن هي العليا وما دونها هي السفلى؟ وهل يدركون إن الثروات الكبيرة المكنوزة في باطن الأرض وموقع بلادنا الاستراتيجي هما السبب الرئيسي لأطماع الخارج؟ وهل يدركون أن ثروات الأوطان هي نعمة وفي نفس الوقت نقمة إن لم يتم معرفة أهميتها والحفاظ عليها، وبأنه لا يمكن الاستفادة منها إلا بتكاتف أبنائها وإيجاد وضع آمن ومستقر؟ 
 
لقد حان الوقت لإنهاء مآسي اليمنيين فاستمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى المزيد من إراقة الدماء ونشر الكراهية والبغضاء وتمكين أعداء اليمن من تنفيذ مخططاتهم التي تطمح إلى إيجاد يمن ضعيف وممزق تسوده الحروب والثارات. 
 
ولذلك، فليكن شعار كل اليمنيين الذين يحبون اليمن لنتجه جميعا ونحتكم إلى الديمقراطية ونختار حكامنا عبر الأوراق والاقلام وصناديق الاقتراع، فجميعنا سيفنى ويموت وسيبقى الوطن حياً دائماً وأبداً لا يموت.