نظرية الإصطفاء الإلهي .. جذورها التاريخية وموقف الإسلام منها ..!!

08:26 2023/04/29

كم يصاب الإنسان بالذهول والصدمة ، وهو يشاهد بعض الناس وهم لا يزالون يؤمنون بفكرة الإصطفاء الإلهي ، تلك الفكرة ذات الأبعاد السياسية والنزعة الاستبدادية العنصرية الفوقية ، التي استخدمها الحكام في العصور الغابرة ، والتي بموجبها منحوا لأنفسهم هالات من القداسة والتأليه ، وتمكنوا بموجبها من استغفال شعوبهم لفترات زمنية طويلة ' حتى جاءت الديانات السماوية ودحضت تلك الفكرة ، إلا أن العديد من السلطات الحاكمة ، قد استمرت في تفعيل وتمجيد تلك الفكرة والعمل بها ، لفوائدها الجمة في المجال السياسي والسلطوي ..!! 
 
 وإذا كنا نلتمس العذر للشعوب والأمم الغابرة ' التي فرضت عليها هذه الفكرة ، كونها عاشت في عصور مظلمة ، كان الجهل والتخلف يخيم على معظم تفاصيل حياتها ، فليس من المقبول أن نلتمس العذر لمن لا يزالون إلى اليوم يؤمنون بهذه الفكرة ويروجون لها ' ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين ، عصر العقل والعلم والتكنولوجيا والحداثة ، عصر إنتشار الأفكار والمبادئ الٱنسانية والتحررية والمدنية ، التي جميعها تدعوا إلى تحرير العقل البشري من الخرافات والأساطير ، وتدعوا إلى المساواة بين البشر ..وللأسف الشديد لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، فلا يزال هناك العديد من البشر يدعمون هكذا أفكار سلبية وخرافية تؤسس وتؤصل لصعود الأنظمة الشمولية والديكتاتورية والاستبدادية والوراثية ، وتبرر للتمييز العنصري والطبقي بين البشر ' وتقوض جهود البشرية الكبيرة في مجال الحقوق والحريات الإنسانية ..!! 
 
وقد بدأت فكرة خرافة الإصطفاء الإلهي ، في مصر الفرعونية ، حيث كان الملوك الفراعنة ، يرتدون ثوب القداسة أحياناً ، ويدَّعون الألوهية أحياناً أخرى ، من أجل الحصول على السلطة المطلقة ، قال الله تعالى (( وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إلهٍ غيري )) ومن المعروف بأن ممارسة السلطة بصورة مطلقة ، وغير مقيدة ، من قبل فرد أو جماعة ، هو الاستبداد والتسلط بعينه ' فكيف سيكون الحال إذا كان الحاكم البشر الإله هو من يمارس السلطة بنفسه أو نيابة عن الله تعالى . وفي بلاد فارس كان نظام الحكم فيها يرتكز بشكل رئيسي على اسطورة أن الحكام الأكاسرة من نسل الآلهة ، وأي أفكار تدعوا إلى التأليه المباشر للحاكم أو التفويض الإلهي له ' هي ليست أكثر من أفكار ونظريات سياسية من صنع الفكر السياسي البشري ' الهدف منها هو صناعة المبررات والمسكنات لتخدير الشعوب بغرض استعبادها وإذلالها واستغلالها واستغفالها وتطويعها لصالح الطبقة الحاكمة ' وقطع الطريق أمام تلك الشعوب من مجرد التفكير في المشاركة في الحكم ' كون الحكم مسألة من اختصاص الإله يمارسه بنفسه أو يفوضه لمن يشاء ..!! 
 
وقد تسربت خرافة الاصطفاء الإلهي إلى الفكر الديني لبعض الفرق الإسلامية ، عن طريق العنصر الفارسي ' والذي لم يألوا جهداً عن القيام بتسريب العديد من الأفكار والمعتقدات الفارسية السابقة ،  إلى الفكر الديني الإسلامي ، من خلال سعيه الحثيث والدؤوب والمتواص ، لإحداث عملية تزاوج بين المعتقدات الإسلامية ، وبين معتقداتهم الدينية السابقة ، وقد ساعدتهم الظروف السياسية والخلافات والصراعات العربية على تحقيق ذلك ' وقد ترتب على عملية التزاوج تلك ظهور العديد من التشوهات في الفكر الديني الإسلامي ' ومن أبرز تلك التشوهات فكرة الأصطفاء الإلهي ..!!
 
وقد ورد مصطلح الاصطفاء الإلهي في القرآن الكريم  في قوله تعالى (( الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير )) ( الحج : ٧٥ ) ، والذي حدد بشكل واضح وصريح ، حدود الاصطفاء الالهي ، في بعض الملائكة وفي بعض البشر الذين اصطفاهم الله تعالى لمهمة محددة وهي حمل رسالة التوحيد إلى الناس ، وبالتالي فإن الإصطفاء الإلهي في المنهج الإسلامي ، محدد بالأنبياء والرسل عليهم السلام دون سواهم من البشر ومقترن بحمل الرسالة السماوية إلى البشر . وفكرة الاصطفاء الإلهي بذلك ليست أكثر من نظرية سياسية الهدف منها تقديس وتأليه وتمجيد الحاكم ' وتنزيهه عن الخطأ والزلل والظلم والفساد ، كما أنها تدعم أنظمة الحكم الفردية الوراثية الاستبدادية ' ومن الناحية الدينية هي ليست أكثر من خرافة كونها تتناقض مع التشريعات والأحكام السماوية ' التي تدعوا إلى تحقيق العدالة والمساواة بين البشر ، والتي تنرع كل صفات التقديس والتعظيم عن الحاكم كونه ليس أكثر من خادم للشعب ومسئول عن توفير الحياة الكريمة له ..!! 
 
كما أن فكرة الإصطفاء الإلهي تتعارض مع العقل والمنطق البشري ' وهي بذلك ليست أكثر من نظرية سياسية بشرية الهدف منها إخضاع واستعباد الشعوب بإسم الله ' عن طريق  صناعة هالات من القداسة والعظمة حول الحاكم ' والزعم بأنه يتلقى التوجيهات والأوامر بشكل مباشر من الله ' وليس من حق أحد إعتراض الإرادة والمشيئة الإلهية ' وبذلك يتم إعفاء الحاكم من كل الأخطاء والسياسات السلبية الصادرة منه ' وغض الطرف عن كل تجاوزاته وهفواته وأخطائه مهما كانت جسيمة وفظيعة ' وكل ذلك ليس أكثر من التبرير والتنظير للحكم الفردي الاستبدادي والدكتاتوري ' ومصادرة الحقوق والحريات الإنسانية ' وهكذا أفكار لم يعد لها قبول اليوم والبشرية تعيش عصر الحداثة والتكنولوجيا والديمقراطية والحريات والحقوق الإنسانية إلا في العقول المغتصبة.والمنغلقة والمقفلة والمعطلة والعاجزة عن التفكير ..!!